تونس- فجّرت حوادث سحب ومصادرة كتب من معرض تونس الدولي للكتاب المخاوف من عودة الرقابة على المصنفات الأدبية، ومزيد التضييق على الحريات التي يحذر حقوقيون ومثقفون من أنها باتت مهددة منذ اتخاذ الرئيس التونسي قيس سعيّد إجراءاته الاستثنائية في 25 يوليو/تموز الماضي.
رقابة ذاتية
وفي تدوينة أثارت الجدل، أعلن الباحث في القانون الدستوري رابح الخرايفي عن منع إدارة معرض تونس الدولي للكتاب بالقوة، عرضَ كتابه “الفساد والدولة الفاشلة.. تونس نموذجا” بتعلة إساءته لسمعة البلد، واصفا إياه بالقرار “المضحك والعجيب”.
ونشر الخرايفي بعدها بساعات تدوينة أخرى، عبّر فيها عن شكره لمن وصفهم بالصحفيين الأشاوس وأصدقائه، مؤكدا عودة كتابه للعرض مجددا بعد الضغط الإعلامي الذي مورس على الجهات المسؤولة.
وفي تصريح للجزيرة نت، عبّر مدير “دار الكتاب للنشر” الحبيب الزغبي عن استيائه العميق من قيام أحد الأعوان التابعين لوزارة الثقافة بحجز نسخة من كتاب الباحث رابح الخرايفي “الفساد والدولة الفاشلة تونس نموذجا”، بحجة تشويهه لصورة تونس.
وأكد الزغبي أن المنع تم في بوابة الدخول إلى المعرض، حيث تم فتح وتفتيش الصناديق الكرتونية التي تحوي نسخا من الكتاب وحجز أحدها، فضلا عن قيام الأعوان بالاستنجاد بأفراد من الأمن بهدف منع عرضه في الجناح المخصص له.
وتابع “تعرّضت بصفتي صاحب دار النشر الخاصة بهذا الكتاب لمحاولات هرسلة (مضايقة) وضغط غير مفهومة، حيث حاول الأمن الدخول عنوة لجناحي الخاص في المعرض بهدف حجز نسخ الكتاب، وأمام تشبثي بعدم وجود أي قرار قضائي وتدخل بقية الزملاء الناشرين، تراجعوا عن ذلك”.
وشدد على أن الكتاب الذي صدر في يوليو/تموز الماضي يباع في الأسواق التونسية بشكل عادي، وهو مودع قانونيا لدى الأرشيف الوطني وباقي الجهات الراجع إليها بالنظر، معبرا عن امتعاضه من هذا السلوك الذي يذكره بعهود الاستبداد.
ورجّح الزغبي أن يكون التصرّف الذي أبداه أحد المسؤولين في وزارة الثقافة نابعا من انطباع شخصي في علاقة بعنوان الكتاب، ومحاولة للتزلف والتقرب من المسؤولين في السلطة، بحسب قوله.
زوبعة في فنجان
حادثة منع كتاب الخرايفي بمعرض تونس الدولي للكتاب في دورته الجديدة لم تكن الأولى، حيث تداول نشطاء عبر الشبكات الاجتماعية خبرا آخر يتعلق بسحب كتاب يتضمن السيرة الذاتية لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، بأمر شخصي صادر عن وزيرة الثقافة في حكومة التدابير الاستثنائية.
وفي هذا الصدد، شدد مدير معرض تونس الدولي للكتاب مبروك المناعي -في تصريح خاص للجزيرة نت- أن ممارسة الرقابة والمنع على المصنفات الأدبية وحرية التعبير سلوكات من الماضي الاستبدادي الذي لا يمكن له أن يعود، وفق قوله.
وأوضح المناعي أن ما حدث هو “عملية توظيف لإجراء روتيني بسيط يتمثل في مراقبة إدارة المعرض للكتب التي يتم إدخالها، ومدى تطابقها مع القوائم الاسمية التي سلمها العارضون للإدارة، نافيا أن يكون للأمر أي دوافع سياسية.
وفي علاقة بالجدل الذي أثاره خبر منع كتاب عن سيرة الغنوشي بأمر مباشر من وزيرة الثقافة، أوضح مدير المعرض أن الأمر يتعلق بمخالفة قانونية ونوع من “تحايل” أحد العارضين الذي أدخل نسخا من كتاب “راشد الغنوشي والنهضة الإسلامية في تونس” رغم أنه غير مضمن في قوائم الكتب المرخص لها بالعرض، نافيا أن يكون الأمر متعلقا بمضمون الكتاب أو الغنوشي نفسه.
ووصف الزغبي الضجة التي أثارها الباحث في القانون الدستوري رابح الخرايفي بشأن مصادرة كتابه بأنها “زوبعة في فنجان”، مؤكدا على أن الأمر يتعلق بنفس الإجراء الروتيني لمراقبة الكتب التي تدخل المعرض والتأكد من تطابقها مع القوائم المسلمة لإدارة معرض الكتاب.
وفي حديثها للجزيرة نت، حذرت الكاتبة والناشطة في حملة “مواطنون ضد الانقلاب” شيماء عيسى من مغبة العودة بتونس لمربع الاستبداد والتضييق على الحريات في كل المجالات.
وعبرت عيسى عن أسفها لانخراط أعوان من وزارة الثقافة ومدير معرض الكتاب في ما وصفتها بـ”منظومة 25 يوليو”، والقيام بالرقابة الذاتية على المصنفات الأدبية ومصادرة الكتب.
وأضافت “من نوائب الدهر أن يتجند أعوان الوزارة للقيام بدور الرقابة ومهام محاكم التفتيش، وأن يقفوا في بوابة معرض تونس لتفتيش محتوى الكتب وحقائب العارضين”.
وانتقدت الكاتبة والناشطة الحقوقية ما وصفته بالتزلف والانبطاح غير المفهوم للحاكم، وأن “يصدر من وزيرة ثقافة هي في الأصل جامعية متشبعة بقيم الحرية والإبداع الفني والثقافي”.
يشار إلى أن الدورة 36 لمعرض تونس الدولي للكتاب التي انطلقت في 11 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، تقام تحت شعار “وخير جليس في الأنام كتاب”، وتتواصل إلى غاية 21 من الشهر ذاته بمشاركة أكثر من 300 دار عرض ووكلاء نشر وتوزيع.