يعدّ التنكر في أزياء متنوعة والقيام بخدع من أنشطة عيد الهالوين الشهيرة، لكنّ قلة من الناس تربط بين تقاليد الخريف المرحة هذه التي يكون الاحتفال بها في 31 أكتوبر/تشرين الأول من كل سنة وبين أصولها في مهرجان “سامهاين”، وهو مهرجان وثني قديم تستمر فعالياته طوال 3 أيام وعرفته الشعوب القديمة التي تكلمت باللغات الغالية وهي اللغات الأيرلندية والأسكتلندية.
وترى الكاتبة كادي لانغ -في تقرير لها نشرته مجلة “تايم” (Time) الأميركية- أن السلتيين الذين عاشوا خلال العصر الحديدي في ما يعرف الآن بأيرلندا وأسكتلندا والمملكة المتحدة وأجزاء من شمال أوروبا، لديهم “سامهاين” (تعني حرفيا باللغة الأيرلندية الحديثة “نهاية الصيف”)، ويمثل نهاية الصيف وبداية العام السلتي الجديد.
وشعوب السلت أو القِلْط هم شعوب أوروبية قديمة عاشت في أوروبا والأناضول، ويعدّ الدخول في عام جديد للسلتيين بمنزلة إشارة إلى لحظة الموت والبعث، وهو حدث كانت له رمزية مضاعفة لأنه اقترن أيضا بنهاية موسم الحصاد الوفير وبداية فصل شتاء بارد ومظلم مملوء بكثير من التحديات.
الهالوين والأصول الوثنية
ويرى المؤرخ نيكولاس روجرز مؤلف كتاب “الهالوين: من طقس وثني إلى ليلة حافلة” (Halloween: From Pagan Ritual to Party Night) أن مهرجان سامهاين كان “وقتا لعدّ المحاصيل وربما التضحية -بما في ذلك التضحية بالحيوانات- تعدّ فيه المجتمعات الرعوية نفسها للبقاء على قيد الحياة خلال فصل الشتاء”.
ويؤكد أنه لا يُعرف كثير عن تفاصيل هذا الاحتفال، لأن المصادر المحدودة المتاحة هي إما أدب فلكلوري مثل الملاحم السلتية، أو لمؤلفين رومانيين يحتمل أنهم سعوا إلى “تلطيخ” صورة تقاليد ثقافة كانوا في أغلب الأوقات في صراع معها.
ولفهم ما هو معروف عن المهرجان -تضيف تايم- من المهم أن ندرك كيف أثر هيكل التقويم السنوي في الممارسات الدينية لشعوب السلتيك.
فوفقا لتقرير نشرته صحيفة غارديان بعنوان “الوثنية، الجزء الثالث: عجلة العام” (Paganism, part 3: the wheel of the year)، فإن كثيرا من الممارسات الوثنية الحديثة تعتمد على عجلة العام، وهي عامل حاسم رئيسي في العبادة السلتية.
وقد قسمت السنة السلتية إلى نصفين هما النور والظلام، وتم تحديدهما عبر مهرجانين من 4 مهرجانات نار سنوية، وفي ما بينهما يتم الاحتفال لتخليد فترات الانقلابات (عندما يكون الليل هو الأقصر أو الأطول) أو الاعتدال (عندما يكون الليل والنهار متساويين)، ويقع “سامهاين” -وهو مهرجان النار الذي يمثل بداية النصف المظلم من العام- بين الاعتدال الخريفي والانقلاب الشتوي.
وتؤكد “دائرة المعارف البريطانية” أنه خلال المهرجان كان يُعتقد أن عالم الآلهة “يظهر للبشرية”، فيتسبب ذلك في حيل واضطرابات خارقة للطبيعة، كما يُعتقد أيضا أن الأرواح وأشباح الموتى تعود من العالم الآخر إلى الأرض في هذه المناسبة.
ولإرضاء الآلهة في هذا الوقت، تُلقى القرابين (بوجه عام من المحاصيل والحيوانات) وسط النيران المشتعلة في إجراء وقائي ضد كائنات العالم الآخر الشريرة، وتترك أخرى اتقاء شر أي أرواح زائرة مؤذية.
وغالبا ما يتم القيام بألاعيب وحيل لكن يلقى اللوم على الجنيات والأرواح خلال فترة الثلاثة أيام التي يستمر فيها المهرجان ويكون فيها الخط الفاصل بين العالمين غير واضح.
مهرجان سامهاين
كما أفسحت النفحات الروحية لمهرجان “سامهاين” للسلتيك التنبؤ بالمستقبل، وهو نشاط كان مناسبا تماما لبداية العام السلتي الجديد.
ويشير تقرير لموقع هيستوري إلى أن الكهنة السلتيين اعتقدوا أن “وجود أرواح أخروية جعل من السهل.. إجراء تنبؤات بشأن المستقبل”، وفي لحظات إشعال نيران المهرجان، كان يُقرأ الطالع ويُتكهن بالمستقبل جنبا إلى جنب مع التضحيات، كما كان العديد من المشاركين يرتدون أزياء مختلفة، وغالبا ما يتنكرون في زي حيوانات أو وحوش على أمل خداع الأرواح التي قد ترغب في إيذائهم.
وتؤكد تايم أن ممارسات مهرجان النار هذه تطورت مع مرور الوقت، بخاصة مع انتشار المسيحية وصعود الكنيسة الكاثوليكية بحلول عام 43 بعد الميلاد وبعد غزو روما لمعظم أراضي السلتيك.
وفي كتابه “الهالوين في أميركا: عادات وعروض معاصرة” (Halloween in America: Contemporary Customs and Performances) يشرح المؤلف جاك سانتينو كيف أعيدت في تلك الحقبة صياغة العديد من التقاليد السلتية بسرد مسيحي في محاولة للاستفادة من شعبية الممارسات الوثنية لنشر الدين الجديد، وقد أوجدت إعادة الصياغة هذه العديد من تقاليد الهالوين التي لا يزال الناس يحتفلون بها حتى يومنا هذا.