تعرض نتفليكس في الوقت الحالي فيلم “المذنب” (The Guilty) من بطولة جيك جلينهال وإخراج أنطوان فوكوا، وهو “إعادة إنتاج” (remake) لفيلم دانماركي بذات الاسم عُرض عام 2018 وحاز نجاحا كبيرا، وقدمته الدانمارك ليمثلها في قسم الأفلام الدولية بالأوسكار لكنه لم يصل إلى القائمة النهائية.
وتلك ليست المرة الأولى التي تقتبس فيها هوليود أفلاما من بلاد أخرى وتعيد تقديمها باللغة الإنجليزية بإخراج جديد، وممثلين مشاهير، لكن ما هو السبب وراء ذلك؟
الجمهور الأميركي وأزمة الترجمة
عام 2019 عندما فاز فيلم “طفيلي” (Parasite) بأوسكار أفضل فيلم؛ سارعت المنصات الإلكترونية لمحاولة شرائه وعرضه، ولكن ظهرت أزمة كبيرة وهي رفض المشاهدين الأميركيين مشاهدة الفيلم بلغته الكورية الجنوبية مصاحبا بالترجمة إلى الإنجليزية، ما أدى إلى دبلجته في النهاية.
وفي الحقيقة فإن الأفلام المترجمة ليست شعبية للغاية في الولايات المتحدة، فالجمهور الذي يصدر أفلامه المترجمة إلى كل بلاد العالم تقريبا يرفض أن يدع الثقافة الخارجية تغزوه، أو على الأقل هو أكثر كسلا من ذلك، ومن يشاهد الأفلام الأجنبية في أميركا هم فقط الطبقة المثقفة التي تميل إلى التعرف على الآخر.
وبالإضافة إلى الدبلجة تلجأ أستوديوهات هوليود كذلك إلى عملية إعادة الإنتاج أو “الريميك”، وهي عملية صناعة نسخة جديدة بممثلين أميركيين، مع تغييرات في السيناريو لتلائم البيئة الجديدة للأحداث.
ولكن نادرا ما تنجح هذه الأفلام، بالقياس إلى نجاح الأعمال الأصلية، وقيل في ذلك الكثير من التفسيرات أهمها تدخل أستوديوهات هوليود في سيناريوهات الأعمال بدرجة تخل بسياقها، كما حدث في فيلم “الحراسة الليلية” (Nightwatch) الذي قدمه نفس المخرج أول بورندال بنسختيه الدانماركية والأميركية، ولكن أخفقت الثانية بسبب التغيرات التي حدثت فيه.
كذلك تفتقر هذه الأفلام الأميركية الأصالة التي كانت السبب في نجاح الكثير من الأعمال بلغتها الأولى، بابتعادها عن الثقافة والأماكن التي دارت بها الأحداث.
المذنب حلقة جديدة في الإخفاق
تميز الفيلم الدانماركي “المذنب” بسيناريو محكم ومميز للغاية، حيث دارت أحداثه -خلال ساعة ونصف فقط- في غرفة متلقي مكالمات الطوارئ من الشرطة، حيث نتعرف إلى ضابط الشرطة “أزغار” المعاقب بسبب خطأ قام به خلال خدمته، ويرسل للعمل في هذا القسم حتى انتهاء التحقيقات والمحاكمة التي ستجري اليوم التالي.
ولكن في يومه الأخير بهذا العمل يتلقى مكالمة من امرأة مذعورة، يفهم منها أنها مختطفة، وأن أطفالها وحدهم في المنزل وأحدهم مريض، فيبدأ في إجراء اتصالاته التليفونية بزملائه في العمل بغرض معرفة مكان السيدة، وتحديد منزلها، لإنقاذ أولادها، وخلال هذه الفترة القصيرة عليه أن يساعد العائلة وهو مكبل اليدين غير قادر على القيام بأي شيء سوى مكالمات متفرقة مع الأم وطفلتها.
التزم الفيلم بمكان واحد فقط خلال الأحداث بدون الخروج بالكاميرات إلى أي مكان سوى الغرفة التي يعتبر الضابط فيها حبيس مخاوفه، كذلك الوقت على الشاشة كان ذات الوقت هو نفس المدة الزمنية في الفيلم، ما جعل المشاهد يشعر بالتماهي الشديد مع الأحداث، وبالإثارة والانفعال طوال الوقت.
ولكن النسخة الأميركية خففت من هذه الإثارة بتصوير بعض المشاهد خارج الغرفة، حيث كان يغادر بطلها جولي بايلو بخياله متصورا المصاعب التي تمر بها المرأة أو أولادها، ما كسر حاجز العزلة والقيود المفروضة على الضابط ومشاهديه كذلك.
أيضا، واحدة من أهم أسباب نجاح فيلم “المذنب” في نسخته الدانماركية المضمون الاجتماعي الذي ينكشف قرب النهاية، عند معرفة كنه الخطأ الذي قام به الضابط “أزغار”، والذي يكشف جانبا من تعصب المجتمع الدانماركي ضد بعض فئاته، لكن الفيلم الأميركي استخدم نفس الخطأ بطريقة أقل درامية، ودون الربط بقضايا مثيرة بالفعل في المجتمع الأميركي مثل قضية التعصب العرقي والموجودة بالفعل، ومثارة بشدة في الوقت الحالي، لكن الفيلم قدم نسخة مخففة حتى من الواقع المعاش.
أداء جيك جلينهال لدور البطولة هو أفضل ما قدمه هذا الفيلم في الحقيقة، فالممثل الأميركي صاحب الموهبة الكبيرة استطاع إثبات جدارته في الكثير من الأعمال السابقة، وهو هنا يقدم تمثيلا ممتازا، وبصورة مختلفة عن أداء الممثل الدانماركي جاكوب سيدرغرين، حيث مال جلينهال إلى استخدام ملامح وجهه والتعبير باستخدام جسده بصورة واضحة، على عكس زميله الذي قدم الدور سابقا.
في الحقيقة لولا الفيلم السابق الجيد بحق، والنجاح الذي حققه وجعله يصل إلى عدد كبير من النقاد السينمائيين والجمهور لمر فيلم “المذنب” مرورا حسنا كواحد من أفلام الإثارة هذا العام (2021)، وكأي عمل من الأعمال التي تعرضها نتفليكس بصورة مستمرة، لا تعلق في ذهن الجماهير سوى لشهر أو أكثر بقليل، وتكتسب مشاهداتها على المنصة بسبب أسماء ممثليها، ثم تصبح نسيا منسيا.