في السادس من أغسطس/آب 1945 عند الساعة 8:15 صباحا بالتوقيت المحلي لليابان، في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، كان العالم على موعد مع أول هجوم بقنبلة ذرية في العالم، على مدينة هيروشيما اليابانية، ثم تلتها قنبلة أخرى على ناغازاكي، وعلى إثرهما مات ما بين 150 ألف إلى ربع مليون إنسان في نتيجة مباشرة للقصف المدمر، وافتتح عقب هاتين القنبلتين عصر نووي جديد.
في الوقت الذي يعيد فيه كثير من الأميركيين تقييم العديد من الجوانب المؤلمة لماضي بلادهم، قالت صحيفة لوس أنجلوس (Los Angeles Times) الأميركية إنها لحظة مناسبة لإجراء حوار وطني صادق حول استخدام الأسلحة النووية لضرب المدن اليابانية قبل 76 عاما.
وكتب المؤرخان الأكاديمي غار ألبيروفيتز -مؤلف كتاب “قرار استخدام القنبلة الذرية”، ومدير جمعية الديمقراطية التعاونية- ومارتن ج. شيروين -أستاذ التاريخ بجامعة جورج ميسون ومؤلف الكتاب القادم “مقامرة مع هرمجدون: لعبة قمار نووية من هيروشيما إلى أزمة الصواريخ الكوبية”- مقالا مشتركا يشرح تاريخا غير مروي للقصف النووي على اليابان، الذي غير مسار التاريخ الحديث تغييرا جذريا.
كانت الحكمة المقبولة في الولايات المتحدة تفيد بأن إلقاء القنابل على هيروشيما في السادس من أغسطس/آب 1945، وعلى ناغازاكي بعد 3 أيام من هيروشيما، كان السبيل الوحيد لإنهاء الحرب العالمية الثانية من دون غزو يكلف مئات الآلاف من أرواح الأميركيين وربما ملايين اليابانيين. ويقول الخطاب الأميركي إن القنابل لم تنه الحرب فحسب، بل فعلت ذلك بأكثر الطرق إنسانية أيضا.
ومع ذلك، فإن الأدلة التاريخية الحاسمة من المحفوظات الأميركية واليابانية تشير إلى أن اليابان كانت ستستسلم في أغسطس/آب من ذلك العام (على كل حال)، حتى لو لم يتم القصف بالقنابل الذرية، وتثبت الوثائق أن الرئيس ترومان وأقرب مستشاريه كانوا يعرفون ذلك، بحسب الصحيفة الأميركية.
الاستسلام غير المشروط
أدى طلب الحلفاء بالاستسلام غير المشروط إلى خوف اليابانيين من محاكمة الإمبراطور -الذي اعتبره كثير منهم إلها- بتهم جرائم حرب ومن ثمّ إعدامه.
وشبّهت دراسة -أجرتها قيادة جنوب غرب المحيط الهادي- للجنرال الأميركي دوغلاس ماك آرثر (1880 – 1964) إعدام الإمبراطور بـ”صلب المسيح بالنسبة إلينا”.
“الاستسلام غير المشروط هو العقبة الوحيدة أمام السلام”، أرسل وزير الخارجية الياباني شيغينوري توغو رسالة إلى سفير بلاده لدى موسكو، ناوتاكي ساتو، في 12 يوليو/تموز 1945، في محاولة لتجنيد الاتحاد السوفياتي للتوسط في شروط الاستسلام المقبولة نيابة عن اليابان.
وكان دخول الاتحاد السوفياتي للحرب في الثامن أو التاسع من أغسطس/آب قد غيّر كل شيء بالنسبة لقادة اليابان، الذين اعترفوا سرا بضرورة الاستسلام على الفور؛ إذ سرعان ما أنهى السوفيات والمنغوليون سيطرة اليابانيين على مانشوكو، ومينتشيانغ (منغوليا الداخلية)، وشمالي كوريا، وكارافوتو، وجزر تشيشيما (جزر الكوريل).
كانت مخابرات دول الحلفاء تذكر قبل ذلك بشهور، وتؤكد أن دخول السوفيات سيجبر اليابانيين على الاستسلام.
ففي وقت مبكر من 11 أبريل/نيسان 1945، توقعت هيئة الأركان المشتركة أنه “إذا دخل الاتحاد السوفياتي الحرب في أي وقت، فسوف يدرك جميع اليابانيين أن الهزيمة المطلقة أمر لا مفر منه”.
أثر السوفيات
عرف الرئيس الأميركي هاري ترومان أن اليابانيين كانوا يبحثون عن طريقة لإنهاء الحرب. وكان قد أشار إلى برقية توغو -سالفة الذكر- التي تم اعتراضها في 12 يوليو/تموز على أنها “برقية من الإمبراطور الياباني يطلب السلام”.
عرف ترومان (حكم الولايات المتحدة بين عامي 1945 – 1953) أيضًا أن الغزو السوفياتي سيخرج اليابان من الحرب. وفي القمة التي عُقدت في بوتسدام بألمانيا في 17 يوليو/تموز 1945، بعد تأكيد ستالين أن السوفيات سيأتون في الموعد المحدد، كتب ترومان في مذكراته ما يفيد بأنه يعرف أن خروج اليابان من الحرب على إثر ذلك سيكون سريعا. وفي اليوم التالي، أكد لزوجته “سننهي الحرب قبل عام، ونفكر في الأطفال الذين لن يُقتلوا!”
غزا السوفيات منشوريا التي كانت تحت سيطرة اليابانيين في منتصف ليل الثامن من أغسطس/آب، بعد يومين من القصف النووي، ودمروا بسرعة جيش كوانتونغ الإمبراطوري المتمركز في منشوريا بالصين. وكما كان متوقعا، تسبب الهجوم في صدمة لقادة اليابان، إذ لم يتمكنوا من خوض حرب على جبهتين، وكان تهديد الشيوعيين بالاستيلاء على الأراضي اليابانية هو أسوأ كابوس لهم.
أوضح رئيس الوزراء الياباني كانتارو سوزوكي في 13 أغسطس/آب أن على اليابان الاستسلام بسرعة لأن “الاتحاد السوفياتي لن يأخذ منشوريا وكوريا وكارافوتو فحسب، بل هوكايدو (محافظة في أقصى شمال اليابان) أيضًا. وهذا من شأنه أن يدمر أسس اليابان. فيجب أن ننهي الحرب عندما نتمكن من التفاهم مع الولايات المتحدة”.
إقرار أميركي
وفي حين أن غالبية الأميركيين قد لا يكونون على دراية بهذا التاريخ، فإن المتحف الوطني للبحرية الأميركية في واشنطن العاصمة، يذكر -بشكل لا لبس فيه- على لوحة معرض القنبلة الذرية “الدمار الهائل -الذي أحدثه قصف هيروشيما وناغازاكي- وخسارة 135 ألف شخص كان لهما تأثير ضئيل على الجيش الياباني. لكن الغزو السوفياتي لمنشوريا.. غيّر رأيهم”.
وتقول الصحيفة الأميركية إنه تم تعديل الصياغة على الإنترنت لوضع القنابل الذرية بصورة أكثر إيجابية، ومرة أخرى تظهر كيف يمكن للأساطير أن تطغى على الأدلة التاريخية.
وافق 7 من ضباط الجيش والبحرية من أصحاب رتب خمس نجوم (أعلى الرتب) للولايات المتحدة في عام 1945 على التقييم الشديد السابق للبحرية الأميركية، وهم الجنرالات دوايت أيزنهاور، ودوغلاس ماك آرثر، وهنري “هاب” أرنولد، والأميرال وليام ليهي، وتشيستر نيميتز، وإرنست كينغ، وويليام هالسي؛ حيث صرحوا في السجلات المحفوظة أن القنابل الذرية إما كانت غير ضرورية عسكريًا أو مستهجنة أخلاقيا أو كليهما.
لم يكن أحد أكثر قوة في إدانته من ليهي -رئيس أركان ترومان- فلقد كتب في مذكراته “أن استخدام هذا السلاح الهمجي في هيروشيما وناغازاكي لم يكن مفيدًا ماديًا في حربنا ضد اليابان. تم هزيمة اليابانيين بالفعل وهم مستعدون للاستسلام.. وبكوننا أول من استخدمه، فقد اعتمدنا معيارًا أخلاقيًا مشتركًا مع البرابرة في العصور المظلمة”.
اعتقد ماك آرثر أن استخدام القنابل الذرية خطأ لا يغتفر. كتب لاحقًا إلى الرئيس الأميركي الأسبق هربرت هوفر (1874 – 1964) أنه إذا اتبع ترومان نصيحة هوفر “الحكيمة لرجل الدولة” لتعديل شروط الاستسلام وإخبار اليابانيين بأنهم يستطيعون الاحتفاظ بإمبراطورهم “لكان اليابانيون قد قبلوا ذلك وبكل سرور، ليس لدي شك”.
وقبل القصف، جادل الرئيس الأميركي الأسبق داويت أيزنهاور (1890 – 1969) في مدينة بوتسدام الألمانية أن “اليابانيين كانوا على استعداد للاستسلام ولم يكن من الضروري ضربهم بهذا الشيء الفظيع”، وتعلق الصحيفة الأميركية بالقول إن الأدلة تشير إلى أن أيزنهاور كان على حق.