بعد سنوات من الضغط، أعلنت ألمانيا أخيرًا التوصل إلى اتفاق لإعادة مئات القطع الأثرية والأعمال الفنية التي نُهبت من نيجيريا في الحقبة الاستعمارية وكانت معروضة في المتاحف الألمانية.
ففي تقرير نشره موقع “ذا كونفرسيشن” (The conversation)، يقول الكاتب يورغن زيمرر، الأستاذ بجامعة هامبورغ، إن هذه الأعمال الفنية الرائعة التي تُعرف باسم مجموعة “بنين برونز” تشكّل جزءا محوريا من جهود نيجيريا لاستعادة آثارها المنهوبة.
ويؤكد الكاتب أن “بنين برونز” أو (كنوز بنين) صُنعت خلال حقبة ازدهرت فيها مملكة بنين التي تقع ضمن أراضي دولة نيجيريا الحالية، وجلّها مصنوع من المعدن، كما صُنعت بعض القطع من العاج أو الخشب.
النهب الاستعماري
وعندما غزت الإمبراطورية البريطانية مملكة بنين عام 1897 نُهبت آلاف القطع الأثرية، وساعد ذلك بريطانيا على تمويل حملاتها العسكرية.
وفي وقت لاحق، بيعت القطع بالمزاد العلني في لندن ومناطق أخرى، وسرعان ما أصبحت قطعًا رئيسية في العديد من متاحف أوروبا والغرب. وأسهمت هذه القطع الأثرية -وفقا للكاتب- في تغيير الطريقة التي ينظر بها الأوروبيون إلى الفن الأفريقي.
ويشير الكاتب إلى أن نيجيريا ودولا أفريقية أخرى تطالب منذ مدة طويلة باسترداد هذه الآثار، وقد تزايد اهتمام وسائل الإعلام العالمية بالمسألة في ظل تسليط الضوء على قضية النهب الاستعماري.
نقطة تحوّل تستثني العرب
ومثّل إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عام 2017 من العاصمة البوركينية واغادوغو استعداده لإعادة المسروقات الاستعمارية من المتاحف الفرنسية نقطة تحول رئيسة بهذا الشأن، حسب الكاتب.
كلّف ماكرون المؤرخة بنديكت سافوي والخبير الاقتصادي السنغالي فيلين سار بإصدار تقرير عن إمكانية إرجاع الآثار، وأوصيا، آنذاك، بضرورة إعادة جزء من المقتنيات والقطع الأثرية التي يبلغ عددها 90 ألفا من أصول تعود إلى جنوب الصحراء الأفريقية.
وفي أعقاب التقرير، نشرت مجلة “جون أفريك” (Jeune Afrique) الفرنسية تقريرا ينتقد غياب الإشارة إلى بلدان شمال أفريقيا (العربية) فيه، وكانت فرنسا التي استعمرت تلك البلدان استحوذت على كثير من تحفها الفنية، بما فيها ألواح قرطاجية وتماثيل رومانية وكنوز بيزنطية وغيرها من المسروقات التي أخذت من العثمانيين وضمّت إلى المجموعات الفرنسية، حسب تقرير سابق للجزيرة نت.
وقالت المجلة إن الرئيس ماكرون منذ تصريحه في واغادوغو -عاصمة بوركينافاسو- أعطى انطباعا بأنه يريد التركيز على جنوب الصحراء لأن هناك “خللا في توزيع التراث الخاص بهذه المنطقة، في حين يمتلك الشمال متاحف غنية كما هو الحال في الجزائر وتونس”، كما تقول سافوي، مشيرة إلى أن متاحف القاهرة (1902) ومتحف باردو في تونس (1888) ومتحف الفنون الجميلة في الجزائر (1897) لا يضاهيها أي متحف في الدول الـ48 جنوب الصحراء الكبرى.
كما سلّط الضوء على هذه القضية افتتاح منتدى هومبولت ببرلين، في 20 يوليو/تموز 2021، الذي كان من المفترض أن يعرض أكثر من 200 قطعة برونزية من “إمبراطورية بنين”.
الاعتراف بالإبادة
ويضيف الكاتب أن هذا الحدث تزامن مع اعتراف ألمانيا بعمليات الإبادة الجماعية التي ارتكبتها في القرن الـ20 ضد شعبي هيريرو وناما الأصليين في المنطقة التي كانت تُعرف بجنوب غرب أفريقيا الألمانية، أي دولة ناميبيا الحالية.
وعندما تصاعد الضغط على السلطات الألمانية، حاول بعض المسؤولين الألمان التهرب من المسؤولية، وقد اتهم مؤرخ الفن هورست بريديكامب -أحد المؤسسين الأوائل لمنتدى هومبولت- النقاد بأنهم معادون للسامية. ومع زيادة الضغط من ناشطي المجتمع المدني في ألمانيا ووسائل الإعلام العالمية، اعترفت الحكومة ومسؤولو المتاحف بأنه ينبغي إعادة بعض قطع مجموعة “بنين برونز”.
ويؤكد الكاتب أن بقية قطع بنين الأثرية توجد في مناطق مختلفة من شمال الكرة الأرضية، ولا تتجاوز نسبة القطع الموجودة في ألمانيا أكثر من 10% مما نُهب.
وحسب رأيه، فإن أوروبا بأكملها متورطة في هذه الجريمة وعليها معالجتها، إذ توجد حاليا أكثر من 800 قطعة أثرية في المتحف البريطاني بلندن، وقد رفض المتحف إعادتها بدعم من الحكومة، فضلا عن وجود العديد من القطع في الولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن يستضيف متحف “إيدو” لفن غرب أفريقيا -الذي يبنى حاليا في مدينة بنين بولاية إيدو جنوبي نيجيريا- قطع مجموعة “بنين برونز”.
استعادة مماثلة
وكانت الجمعية الوطنية الفرنسية قد وافقت، نهاية 2020، على قرار مجلس الشيوخ بشأن إعادة الفنون والأصول الثقافية للسنغال وبنين، حسب تقرير سابق للجزيرة نت.
وفي يناير/كانون الثاني من العام الماضي، أعادت فرنسا إلى بنين 28 قطعة أثرية تعود إلى عصر مملكة أبومي، امتثالا لوعد قطعه ماكرون في مارس/آذار 2018، بعد أن هُرّبت إلى فرنسا.
وتمتلك فرنسا ما يقرب من 90 ألف قطعة أثرية تاريخية تنتمي إلى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تم تهريب 46 ألفا منها خلال الحقبة الاستعمارية الممتدة في الفترة 1885-1960، في حين غابت بلدان شمال أفريقيا العربية عن الوعود الفرنسية بإعادة الآثار إلى بلدانها الأصلية.
ولا تزال الأعمال الفنية والآثار المنهوبة من بلادها الأصلية محل جدل كبير، إذ يعتقد البعض أن نهب التراث أمر خطأ، ويجب أن تعود المسروقات إلى بلادها، في حين يرى آخرون أن وجودها في بلاد أخرى هو أحد أنواع الترويج للحضارة، فضلا عن اعتقاد البعض أن الأعمال الفنية والآثار المنهوبة تلقى اهتماما في البلاد المضيفة لها أكثر من ملاكها الشرعيين.
وكانت اتفاقية لاهاي عام 1907 هي الأولى التي اعترفت بأضرار الحروب والاستعمار على التراث الثقافي، وحظرت سرقة الآثار والقطع الفنية ونهبها في أثناء النزاعات المسلحة والحروب.
وعلى الرغم من القوانين الحديثة الملزمة بإعادة التراث الثقافي والفني إلى أصحابه الأصليين، فإن الدول تماطل في الأمر، وتتعامل مع كل قطعة على حدة، مثل حجر رشيد الذي استولت عليه القوات البريطانية من الجيش الفرنسي في مصر عام 1801، ويعدّ اليوم من أكثر المعروضات شعبية وأهمية في المتحف البريطاني بلندن.
المصدر : الجزيرة + ذا كونفرسيشن