تناولت أكاديمية أميركية من أصل عراقي، في مقال نشرته بصحيفة أميركية، مصادرة وزارة العدل الأميركية لوحا طينيا من إحدى شركات بيع المواد الفنية والأثرية الأميركية، عمره 3500 عام، ويحتوي على جزء من “ملحمة جلجامش”، وهي أقصوصة مكتوبة باللغة السومرية تروي مغامرات أحد ملوك بلاد ما بين النهرين الأقوياء في سعيه إلى الخلود، وتعدّ أبرز أقدم النصوص الأدبية في العالم.
وأوضحت الأستاذة في تاريخ الفن ومنسقة مبادرة الدراسات الثقافية العربية والإسلامية المعاصرة في جامعة شمال تكساس، ندى شبوط، في مقال لها بصحيفة “واشنطن بوست” (Washington Post)، أن هذا اللوح واحد من أكثر من 17 ألفا من القطع الأثرية والكنوز التي بدأ العراق استعادتها من الولايات المتحدة.
وعلقت شبوط قائلة إن هذه أخبار مفرحه، إذ إنهم عملوا على توثيق التراث العراقي المفقود وملاحقته، ومع ذلك، لا ينبغي لهذه الحادثة النادرة أن تحجب حقيقة أن العراق كان ولا يزال عرضة للنهب والسرقة من دون عقاب.
وأضافت أن أكثر من 18 عاما مرّت منذ غزو العراق، ولا تزال البلاد في حالة من الفوضى، ولا يزال كثير من تراثها الثقافي مفقودا، مشيرة إلى أن هذه الخسارة أمر منهك، وأن كثيرا من الشباب العراقي بعيدون، بسبب هذه الخسارة، عن تاريخهم وذكرياتهم الجماعية وهوياتهم الوطنية، ولا يمكنهم الوصول إليها، وتساءلت: كيف لهؤلاء الشباب تشكيل مستقبلهم؟
قطع أثرية من بين أكثر من 17 ألف قطعة ستعود إلى العراق قريبا
مهد الحضارة
ومضت شبوط تقول إن العراق “غالبا ما يُطلق عليه مهد الحضارة بتاريخه الثري الذي يعود إلى الأيام الأولى للبشرية لأن تربته تعج بالأدلة التاريخية في صورة مواقع أثرية، لم يتم التنقيب عن العديد منها، الأمر الذي عرّض سلامتها لتهديد مستمر، وألحق بها الضرر بآلات الغزاة العسكرية، وبأيدي اللصوص الذين يعملون علانية.
وقالت إنه منذ عام 2003، ظهرت الأعمال القديمة المسروقة من المتاحف أو المواقع الأثرية العراقية وتم تداولها في أجزاء مختلفة من العالم، وبين حين وآخر، هناك أخبار عن أعمال مسروقة صودرت، مثل التمثال الحجري الذي يبلغ عمره 4400 عام للملك السومري إنتيمينا من لكش، الذي تم استرداده في عام 2006 وعاد إلى العراق في عام 2010.
ومع ذلك، تضيف الكاتبة، أن معظم الأشياء المنهوبة لم يُعثر عليها أو لم تتسنّ إعادتها، وأصبح العراقيون محرومين من تراث بلادهم القديم، كما اختفت أيضا أشياء من أزمنة العراق المجيدة، ولكن تم التغاضي عنها في الغالب، واختفت أيضا.
وتوضح شبوط أن هذا الفقد له آثار في حاضر العراق، الذي بدأ في القرن الـ20، عندما أُسّست دولته الحديثة، يعبر عن نفسه جزئيا من خلال فنه، وأن الفنانين العراقيين نجحوا في خمسينيات القرن الماضي، لا سيما ما تعرف بجماعة الرواد وجماعة بغداد للفن الحديث، في تشكيل “أيقونة عراقية مميزة”، وساعدوا على تصور هوية وطنية جديدة.
التراث العراقي القديم تعرض للتخريب بسبب الصراعات والتدمير والنهب لا سيما منذ عام 2003
خسارة كبيرة
وقالت شبوط إن من المستحيل قياس مقدار الخسارة وتأثيرها بدقة لأن عدد القطع الأثرية، الحديثة والقديمة، والمحفوظات والسجلات، لا يمكن حصرها، مشيرة إلى أن السجلات المرئية والمخطوطات والوثائق تسهل الوصول إلى أنواع مختلفة من المعرفة بالأشخاص والمؤسسات والتكنولوجيا والبلد نفسه، التي ترسخ التغيير الثقافي وتساعد على تقديم هوية الشعب وتنوعه في عالم سريع التغيّر.
ومضت تقول إن ما حدث للآثار العراقية لا يتعلق فقط بالآثار، ولا ببعض الرقابة الإجرائية الأخرى، بل بما أسمته الاستيلاء الاستعماري على الثقافات باسم الحضارة والدين، وإن للعالم تاريخا طويلا في هذا الاستيلاء.
وختمت بقولها “مع الأسف، نُسيت الكارثة الثقافية التي يعيشها العراق منذ عام 2003، وبعدما يقرب من عقدين من الزمن، من المناشدات من أجل الاهتمام والعمل الجماعي، يُحتفل اليوم بمكاسب صغيرة، ولكن “يبدو أن حجم الخسارة يمرّ من دون عقاب، والشعب العراقي هو الذي يدفع الثمن”.
المصدر : واشنطن بوست