حسين العادلي*
عندما نتكلم عن المعارضة السياسية، فإننا نتكلم عن أنساق واضحة للدولة مجتمعياً سياسياً إقتصادياً ثقافياً، أي عن بنية ناجزة للدولة. فغالباً ما تكون المعارضة في الدول حديثة التكوين أو المضطربة أو هيجنة البنية، تكون، معارضة غير ناجزة المعالم والهوية والسياق والبوصلة، فتُنتج خليطاً من (معارضات) سلمية، عنفية، دستورية، ثورية..الخ. إنَّ استقرار بنية الدولة شرط وجودي لتبلور معارضة سياسية مستقرة النسق والهوية.
عندما نتكلم عن المعارضة السياسية فنحن نتكلم عن (أمّة دولة) غير منشطرة على نفسها، أمّة موحدة الروح والهوية والتعابير الوطنية السيادية،.. أمّا الأمم المتشظية التي لم تُنجز وحدتها الوطنية بعد فلا يمكنها أن تفرز معارضة سياسية (وطنية) بل (معارضات) على عدد انشطارها الذاتي (المجتمعي الهوياتي الحزبي). ولأنَّ أمّة الدولة منشطرة فسيكون صراع قوى الهويات الفرعية (أحزاب القومية والطائفة) صراعاً على أصل الدولة (كحصص) وليس على الحكم (كإدارة) وحسب،.. وحتى الحكم (كإدارة) فسيكون متشظياً على عدد الهويات المجتمعية وقواها ومصالحها، مما يتنج إنقساماً للحكم لا تقاسمه (ضرب للنواة الصلبة للنظام/حكم والمعارضة)، لذا فلا معارضة سياسية (وطنية) فيها.
عندما نتكلم عن المعارضة السياسية، فإننا نتكلم بالضرورة عن نظام ديمقراطي قادر على إعطاء (التعددية السياسية) مجالها الحيوي الفعّال وبما يفضي لإنتاج بدائل سياسية ناجزة (تعدد البدائل والخيارات المتنوعة لحكم الدولة). ونتكلم عن بنية نظام سياسي قادر على (الفهم والإمتثال) للمسؤولية المشتركة بين البدائل السياسية الناجزة (حكم ومعارضة) لخدمة الدولة وتحقيق المصالح العامة، وعن المسؤولية العالية لحفظ النظام السياسي ذاته والحيلولة دون انغلاق أفقه أو تطوّره أو حتى انهياره أو الإنزلاق به نحو الفوضى وتسيد العنف المتبادل أو إنتاج العدمية السياسية،.. إنَّ غياب الفهم والإمتثال المشترك (عند أو بين قوى الحكم والمعارضة) يحوّل الحكم إلى قوة طغيان ويحوّل المعارضة الى قوة تدمير، فينهار نظام الدولة.
عندما نتكلم عن المعارضة السياسية فنحن نتكلم عن أحزاب سياسية ناجزة وليس عن أفراد وجماعات ومجموعات مجتمعية بدائية،.. فالمعارضة السياسية نسق سياسي حزبي رؤيوي برامجي يعكس التعددية المجتمعية السياسية تجاه الحكم وإدارته ضمن مجال الدولة الحديثة. وإذا كانت الإنتخابات تنافساً ديمقراطياً رؤيوياً برامجيا، لزم أن تكون الأحزاب الممارسة لحق السلطة والمعارضة أحزاباً ديمقراطية وطنية مدنية البنية والممارسة،.. فلا حكم أو معارضة (سياسية ديمقراطية) دونما أحزاب ديمقراطية.
عندما نتكلم عن المعارضة السياسية فنحن نتكلم عن الحفاظ على السلطة أن لا تقع ضحية التفرد والإفتراس والتمركز والإحتكار والإبتلاع من قبل الحاكم، وهي قيمة سياسية كبرى لا يمكن ضمانها إلاّ بالنظام الديمقراطي الذي يؤسس للحكم والمعارضة معاً. إنَّ النظام السياسي القائم على أساس من الحكم والمعارضة يوفر لنا التنافس الممنهج البنّاء الذي يضع جميع قضايا الدولة تحت مجهر المسؤولية والمراقبة والمحاسبة والتقييم والتقويم، فنحفظ بذلك الدولة من التلاعب او التجيير أو المتاجرة بها.
التنافس السياسي المُشرعَن والمُقنن والمسؤول هو صمام أمان للدولة ولاستقامة سلطاتها ومؤسساتها ومصالحها. ودونما تنافس يُنتج معارضة فعّالة مُراقِبة وكاشفة ومحاسِبة فإنَّ الحكم يتعامى وتتغاضى ويغطي على أخطائه وخطاياه،.. عندها، تكون الدولة برمتها هي الضحية.
LEAVE A COMMENT