في استطلاع نُشر عام 2019، قال 44% من الأميركيين و45% من الناس في 34 دولة؛ إن الإيمان بالله ضروري “لتكون شخصا أخلاقيا ومتمسكا بالقيم”. فهل يفقد الإنسان أخلاقه وقيمه عندما يترك الدين؟
يقول الكاتبان فيليب شواديل وسام هاردي في تقرير نشره موقع “ذا كونفرسيشن” (the conversation) الأسترالي إنهما كباحثين في علم النفس وعلم الاجتماع عملا على دراسة آثار ترك الدين على القناعات الأخلاقية والقيم الاجتماعية.
وسعى الكاتبان في دراسة شارك فيها الباحثان في علم الاجتماع والنفس داريل فان تونغيرين وسي ناثان ديوال إلى اختبار “تأثير بقايا الدين” بين الأميركيين الذين تخلّوا عن الدين. وتناولت الدراسة سؤالا محوريا: هل يحافظ “تاركو الدين” على بعض أخلاق وقيم المتدينين؟ أو بمعنى آخر: هل بمجرد أن يترك بعض الناس الدين يفقدون تماما كل المعتقدات والأخلاق الدينية؟
أثر المعتقدات الدينية
يقول الكاتبان إن الأبحاث الحديثة تظهر أن تاركي الدين في جميع أنحاء العالم يُصنّفون في منزلة وسطى بين غير المتدينين إطلاقا والمتدينين، من حيث الأفكار والمشاعر والسلوك، حيث يحتفظ كثير منهم ببعض صفات المتدينين، مثل التطوع والعمل الخيري.
لذلك درس الباحثون العلاقة بين ترك الدين والأسس الأخلاقية الخمسة التي يركز عليها علماء النفس، وهي الرعاية/الأذى، والعدل/ الغش، والإخلاص/الخيانة، والبناء/التخريب، والرفعة/التدهور.
ووجد الباحثون أن المتدينين الثابتين كانوا الأكثر تمسكا بالأسس الأخلاقية الخمسة، ويتضمن ذلك أحكاما بديهية تركز على الشعور بألم الآخرين والاستفادة من الفضائل، مثل اللطف والرحمة.
وتماشيا مع فرضية آثار المعتقدات الدينية، وجدت الدراسة ما أطلق عليه الباحثون “نمط درجات السلّم”، أي أن المتدينين الثابتين أكثر تشبثا بالأسس الأخلاقية من تاركي الدين، لكن تاركي الدين أكثر تمسكا بهذه الأسس من اللادينيين. وكان الاستثناء الوحيد هو الأساس الأخلاقي “العدل/الغش”، الذي يتمسك به تاركو الدين والمتدينون بالقدر ذاته.
بعبارة أخرى، بعد التخلي عن الدين يحافظ تاركو الدين على بعض التركيز على كل من الأسس الأخلاقية الخمسة، وإن كان ذلك أقل من التركيز الذي يوليه المتدينون الثابتون لهذه الأسس، ولهذا السبب تتم الإشارة إلى ذلك بـ”نمط درجات السلّم”.
التمسك بالقيم
ويشير الكاتبان إلى أن الجانب الثاني من الدراسة ركز على بحث يُظهر أن الدين مرتبط ارتباطا وثيقا بالقيم، لا سيما دائرة “قيم شوارتز”، وهي النموذج السائد للقيم العالمية التي يستخدمها علماء النفس الغربيون، أي المبادئ الأساسية المنظمة لحياة الناس.
سأل الباحثون مجموعة من المشاركين الأسئلة نفسها مع تقدمهم في السن على مدى 11 عاما. كان المشاركون في سن المراهقة عندما بدأت الدراسة، وفي منتصف أو أواخر العشرينيات من العمر في المرحلة الأخيرة.
وكشفت النتائج عن “نمط درجات سلّم” (تصاعدي متدرج) آخر، حيث إن المتدينين الثابتين بين هؤلاء الشباب كانوا أكثر تمسكا بقيم الأمن والامتثال والتقاليد؛ في حين كان تاركو الدين أكثر تمسكا بهذه القيم من اللادينيين.
وحسب الكاتبين، فإن الدراسة تُظهر أن تأثير بقايا المعتقدات الدينية أمر ملموس، حيث تتشابه أخلاق وقيم تاركي الدين مع أخلاق المتدينين، أكثر مما تشبه أخلاق وقيم اللادينيين.
كما أن تحليل النتائج يُظهر بعض الفروق الدقيقة بين تاركي الدين. على سبيل المثال، يبدو تأثير ممارسة الشعائر الدينية على القيم أقوى بين البروتستانت الإنجيليين السابقين، مقارنة ببقية الطوائف البروتستانتية والكاثوليك وأتباع المعتقدات الدينية الأخرى في الولايات المتحدة.
وتشير الدراسة أيضا إلى أن تأثير “بقايا الدين” يمكن أن يتضاءل بمرور الوقت، ويصبح تارك الدين بالتالي أقل تمسكا بالأخلاق والقيم وأقرب إلى اللادينيين.
ظاهرة تستحق البحث
ويرى الكاتبان أن هذا الاستنتاج مهم للغاية لأن عددا كبيرا ومتزايدا من الأميركيين يتركون الدين، ولا يزال هناك الكثير مما ينبغي دراسته وبحثه عن العواقب النفسية والاجتماعية لهذه الظاهرة.
في عام 1990، أفاد 7% فقط من الأميركيين بأنهم لا يعتنقون أي دين، وبعد 30 عاما، في 2020، تضاعفت النسبة 4 مرات، لتصل إلى نحو 30%. ويفوق عدد الأميركيين غير المتدينين حاليا عدد المنتسبين إلى أي دين آخر في الولايات المتحدة، بما في ذلك الكاثوليكية والبروتستانتية الإنجيلية.
قد يؤدي هذا التحول -وفق الكاتبين- إلى تغيير جذري في تصورات الأميركيين عن أنفسهم، وكذلك وجهات نظرهم تجاه الآخرين. مع ذلك، يبدو الشيء الوحيد الواضح هو أن أولئك الذين يتركون الدين ليسوا مثل أولئك الذين لم يكونوا متدينين أبدا. ونظرا للنمو السريع والمستمر في عدد الأميركيين غير المتدينين، من المتوقع أن يصبح هذا التمييز مهما بشكل متزايد لفهم أخلاق وقيم الشعب الأميركي.