علي عبدالأمير*
في آب (أغسطس) 2015، حين شكّل المرشح للرئاسة، دونالد ترامب، ظاهرة سياسية – اجتماعية، نشرت الكاتبة والممثلة الكوميدية، لوري تشاندلر، مقالة عن “التفسير النفسي العلمي لمن أصبح موضوع حديث الأمريكيين الوطني”، وبدا أنّ سبب شعبيته يدور حول كراهيّته للنخبة السياسية الأمريكية التقليدية، ولغتها السائدة ومعاركها.
لاحقاً، حاولت سلسلةٌ من المقالات المنشورة في المجلة العلمية الأمريكية “Scientific American” أن تشرح لماذا يلاقي ترامب كلّ هذه المشاعر من الناحية النفسية؟ لتجد أنّ الجمهور المصاب بخيبة أمل من رجال السياسة وجد تعويضاً عند “رجل الأعمال الذي يخبر الناس بالأمور كما هي عليه”.
إنّهم يفترضون أنّ مضايقته الصريحة جداً للنخبة السياسية مطلوبة ومهمة، وأنّ الناس يشعرون بالارتياح الشديد مع شخصيته التي تقول “الحقيقة”، حتى لو كان يبدو متحيزاً جنسياً أو عنصرياً، أو أياً كانت تعليقاته التحريضية، فهو من تشعر معه نسبة ليست بقليلة من الجمهور بالراحة كـ “مرشّح لا يكذب ولا يخفي مشاعره”.
لقد كانت تصريحات ترامب ضدّ نساء شهيرات في السياسة والإعلام، وسخريته التي قاربت كشف الفضائح وطالت الوجوه التقليدية في الحزب الجمهوري، أو تلك التي نالت من المهاجرين وثقافة المواطنين السود (الأمريكيين الأفارقة)، كلها قد مست مشاعر لا يستطيع المواطن الأمريكي الأبيض البوح بها، وجاءت الفرصة كي يقولها شخص منطلق كالسهم نيابة عنه، وكان هؤلاء يقولون: “قد لا نتفق معه، لكنّنا على الأقل نعرف أنه يعتقد فعلياً بما يقوله”!
الأمريكيون المعتادون على كذب السياسيين فوجئوا بشخص يرفض ممارسة تلك اللعبة، فكافؤوه حتى لو لم يحبوه، في وقت توقف السياسيون عن ملاحظة أنّ الجمهور سئم من سماع تصريحاتهم ووعودهم المتكررة حدّ الملل.
20 سبباً لـ “محبة ترامب”
قبل نهاية العام الماضي، نشر المخرج والمنتج التلفزيوني الأمريكي، جيروم لندن، مادة حملت عنوان “20 سبباً يدفع هؤلاء الناس لمحبة ترامب”، وهي مادة تتضمّن نماذج مختارة لمن أسماهم “أمة ترامب”، وهو تعبير بدا مناقضاً لآخر “أمة أوباما”، أشاعه المعسكر الأبيض بعد انتخاب الديمقراطي، باراك أوباما، كأول رئيس أسود لأمريكا.وكتب لندن: “لماذا يحبّ الناس دونالد ترامب؟ بعد مراجعة الكثير من التعليقات على الإنترنت، وجدنا أفضل 20 سبباً، يقول مؤيدو دونالد ترامب إنهم يحبونه بسببها، والمثير للدهشة؛ أنها الأسباب نفسها التي يكرهه الآخرون بسببها”.
1- يريد “جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”
بمساعدة من التمويل العالمي والصحافة المتوافقة مع العولمة، تم بيع الطبقات الوسطى والعاملة في أمريكا ووصولها إلى القاع؛ تم شحن جميع وظائف التصنيع تقريباً إلى الخارج، وما تبقى من الوظائف هنا قد شهدت انخفاض الأجور؛ بسبب الهجرة غير المقيدة، أصبحت أمريكا، التي كانت ذات يوم ساطعةً في العالم، وشعرت بأنّها مضطرة للاعتذار لبقية العالم لكونها أكثر نجاحاً من البلدان الأخرى، يريد ترامب إعادتنا إلى وقت أفضل عندما كان الناس يتفاخرون بأنّهم أمريكيون.
2- كان نجم تلفزيون الواقع
هذا صحيح، فقد كان ترامب ناجحاً في ذلك بشكل لا يصدق، وكان أيضاً ناجحاً بشكل لا يصدق في العمل التجاري.
3- إنه ملياردير!
مقابل كل دولار أعطاه، ضربه بمئة في عمل ناجح، لن يكون هناك أيّ شخص ينتقده لكونه غبياً، أو غير كفؤ.
4- رجل أعمال وليس سياسياً
بالضبط؛ السياسيون هم الذين دمروا البلاد، إنّهم عصابة من النخب الداخلية الفاسدة والضحلة المتعطشة للسلطة، والتي تهتم فقط بإثراء نفسها، هل ندرك أنّ 6 من أغنى 10 مقاطعات في البلاد تحيط بمنطقة واشنطن العاصمة؟ وفي انتخابات عام 2016، صوّتت منطقة العاصمة ضدّ ترامب بنسبة أعلى من أيّ مكان آخر في البلاد؛ ذلك لأنّه يهدّد السياسة بالخنق، إذا كنت تريد إصلاح السياسة، فستحتاج إلى شخص غير سياسي.
5- يكره وسائل الإعلام
هو يفعل ذلك أكثر من أي شيء آخر؛ كانت الانتخابات الرئاسية لعام 2016 بمثابة استفتاء شعبي ضدّ وسائل الإعلام، رغم أنّ التغطية الخاصة بترامب كانت سلبيةً بنسبة تزيد عن 90 ٪، ولم تؤيده إلا صحيفة أمريكية كبرى، غير أنّ ترامب كان قادراً على الفوز؛ ذلك لأنّ معظم الأمريكيين أصبحوا يدركون تمام الإدراك أنّ وسائل الإعلام عبارة عن مجموعة من المستنقعات المحمية التي تسخر من الأمريكيين العاديين وتحتقرهم، وتقول لهم إنهم “يصوتون ضدّ مصالحهم”. أهل الإعلام متعجرفون للغاية، لدرجة أنّهم يعتقدون أنّهم يفهمون مصالح الناس بشكل أفضل مما يفعل الناس أنفسهم، إنّهم أيضاً جاهلون لدرجة أنّهم لا يعرفون مقدار كراهية الناس للإعلام.
6- إنّه صريح حدّ الوقاحة
على عكس معظم السياسيين الذين يلقون الخطب المزهرة والوعود الفارغة، من المفرح أن نرى شخصاً يتكلم ويتحدث عما يقوله ويخترق الهراء الذي أصاب خطابنا السياسي والثقافي.
7- إنّه ليس سياسياً “مثالياً”
نحن نعيش في عصر يتعين على معظم الناس فيه أن يعضوا شفاههم إلى درجة النزيف خوفاً من الإساءة إلى أرواحٍ “حساسة” تشكو دائماً، وقد تتصل برجال الشرطة إذا مسّ أيّ شيء مشاعرها، هذا تحكّم في العقل حدّ الطغيان، بل هو قمعٌ للأفكار، يجب ألا تجرؤ على قول رأي مخالف أو يدمرون حياتك، ثم يأتي ترامب ويقول: “اللعنة على هذا”.
8- يقول إنّه ليس عنصرياً
كان هذا دائماً أكثر الأكاذيب المتكررة عنه؛ إنّه عنصري، لكن عندما يتم الضغط عليه من أجل شيء عنصري فعلي قاله، فإنّهم يخبرونك أنّه قال إنّ “جميع المغتصبين للأمريكيات هم من المكسيكيين”، وهذا غير صحيح، كرجل أعمال، كان لترامب سجل ممتاز في توظيف غير البيض.
9- يقول أشياء غير محترمة عن النساء
نحن نعيش في عالم من غير المقبول فيه أن نقول نحن الرجال صفات عن النساء “غبيات، خرقاوات، غير كفؤات وشريرات”، ثم يأتي ترامب، بشيء من الجرأة، للإيحاء بأنّ بعض النساء ممكن أنهنّ في الواقع كائنات بشرية، بدل كونهنّ ضحايا دائمات، وبالتالي ممكن أيضاً أن تكون النساء “غبيات، خرقاوات، غير كفؤات وشريرات”، ورغم حقيقة أنّ الديمقراطيين حاولوا حشد جميع النساء ضدّه، إلا أنّه ما يزال يحصل على أكثر من 40٪ من إجمالي أصوات النساء في أمريكا، وأغلبية النساء ذوات البشرة البيضاء.
10- إنّه ضدّ الحدود المفتوحة
قم بتسمية دولة على وجه الأرض لها حدود أكثر مرونة من أمريكا، هل تعلم أنّه إذا حاولت العبور إلى المكسيك بطريقة غير قانونية، فقد تتعرض لإطلاق النار أو السجن؟ هل تعلم أنّ كلّ دولة أخرى لديها سياسات هجرة أكثر صرامة من أمريكا؟ الهجرة غير القانونية تعمل على تخفيض الأجور ووجود حشود الأشخاص من ثقافات غير متوافقة، إذا كنت لا ترغب في تسليم مفاتيح منزلك، عليك أن تكون غير قادر على تسليم حدودنا أيضاً.
11- إنّه وطني وليس عالمياً
إنّه يدرك أنّ عامل المصنع السابق في أوهايو خسر وظيفته؛ لأنّ مصنعه تمّ ترحيله إلى ماليزيا، ويعلم أنّ بعض المصرفيين في بروكسل مهتمون بزيادة محفظة أسهمهم أكثر من اهتمامهم بما إذا كان القيام بذلك سيجعل مساحات شاسعة من قلب أمريكا عاطلة عن العمل، ويهتم بما يفكر فيه مالك المنزل في ولاية أيوا أكثر مما يعتقده البعض في حفل كوكتيل باريسي.
12- يرفض اتفاق باريس للمناخ
في حديثه عن اتفاق باريس؛ وقف ترامب بمفرده بين السياسيين، في إدراك أنّ الكثير من خطاب “تغير المناخ” مصمم لفرض ضرائب شديدة على الصناعة الأمريكية، بينما يتيح للدول الأخرى تطوراً صناعياً أكبر، إنّه ليس مؤيداً للتلوث، لكنّه لا يريد التضحية بالطبقة الوسطى الأمريكية في عملية محاربة قضية التلوث.
13- قريب من أهل الريف
أكثر من أيّة مجموعة أخرى، تعرض سكان الريف في أمريكا للضعف والحرمان بسبب السياسات التي فرضتها النخب الحضرية، لقد رأوا أنّ وظائفهم تتبخر وتطمس ثقافتهم المحلية، فقط لتحلّ محلات كبرى، مثل: “وول مارت”، و”ماكدونالدز”، في كلّ بلدة ريفية.
كما أنّهم يدركون أنّ معظم وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية تعتبرهم جاهلين ومتخلفين ومثيرين للسخرية، بدلاً من ذلك، يعاملهم ترامب باحترام؛ فإذا نظرت إلى الخريطة الانتخابية لعام 2016، تجد أنّ المرشحة كلينتون فازت بجميع المناطق الحضرية، وفاز المرشح ترامب بجميع المناطق الريفية.
14- لا يعتقد بوجود تهديد روسي
هل لاحظت كيف أنّ وسائل الإعلام لا تنتقد الصين أبداً، رغم أنّها تمتلك جزءاً كبيراً من ديوننا، ومن المعروف أنّها تقوم باختراق أجهزة كمبيوتر الحكومية لدينا، وتبرعت بملايين المساهمات غير القانونية في الانتخابات الأمريكية عام 2016؟ هل لاحظت كيف أنّ الصحفيين والأكاديميين نفسهم باتوا متأكدين من أنّ روسيا هي أكبر تهديد لنا؟ هل لاحظت أنّه عندما قال المرشح الجمهوري ميت رومني، عام 2012، إنّ روسيا كانت أكبر عدوّ لنا، سخر منه باراك أوباما والتقدميون؟ هل لاحظت أنّ الصحافة لا تقول كلمة واحدة عن الكيفية التي حققت بها مؤسسة كلينتون الملايين من خلال ترتيب صفقات اليورانيوم لروسيا؟ وهل لاحظت أنّه لا يمكن لأحد أن يفسر على وجه التحديد سبب عدّ روسيا تهديداً غير بعض الادعاءات الغامضة بأنها مسؤولة عن تسريب رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهيلاري كلينتون؟ وهل لاحظت كيف أنّ هذا هو تكتيك منحرف يهدف إلى إبعاد انتباهك عن حقيقة أنّ المشكلة كانت رسائل البريد الإلكتروني لكلينتون، وليس من سرّبها؟
15- إنّه مؤيد للرأسمالية
ألقِ نظرة على فنزويلا الاشتراكية؛ أعمال شغب في الشوارع، حيث يقتل الناس بعضهم بسبب بعض الأطعمة، ألقِ نظرة على الإخفاقات الهائلة والفظائع الوحشية لكل نظام ماركسي قائم، ألقِ نظرة على دخل العمال في الدول الرأسمالية مقارنة بالدول الاشتراكية، وستدرك أنّه، مهما كانت عيوبها، فإنّ الرأسمالية تفوق إلى حدّ كبير الاشتراكية عندما يتعلق الأمر بتوفير الاحتياجات الأساسية للناس.
16- إنّه مؤيد لامتلاك السلاح الشخصي
هل تعرف مَن الذي أخذ أسلحة الناس؟ أدولف هتلر وجوزيف ستالين، اثنان من أكثر الديكتاتوريين دموية في القرن العشرين، وهل أدركت أنّ معظم جرائم القتل بالأسلحة ارتكبت بأسلحة نارية مملوكة بشكل غير قانوني؟ هل تدرك أنّ كثيراً من الناس يموتون من جرعات زائدة من المواد الأفيونية والمخدرات أكثر من الموت بالمسدسات؟ ترامب يفعل، وهذا هو السبب في أنّه يركز على أزمة المخدرات بدلاً من مصادرة الأسلحة.
17- إنّه يقاتل منتقديه
ذلك لأنّ منتقديه هم أكثر البالغين فساداً، وهم السياسيون الذي باتوا يشعرون بالرعب من وجوده.
18- يعطي الجمهوريين سيطرة كاملة على واشنطن مرة أخرى
رغم كلّ ما تسمعونه عن حجم باراك أوباما، هل تدركون أنّه وعد بخفض الدين الوطني إلى النصف، لكنّه في الواقع زاده أكثر من الضعف؟ الآن، مع تولي الجمهوريين المسؤولية، يمكننا التراجع عن بعض تجاوزات عهد أوباما، وتشجيع نمو الأعمال الخاصة بدلاً من نمو الحكومة.
19- يقطع الامتيازات الحكومية
بعبارة أخرى؛ هو يزيل ما يتمتع به الكثيرُ من موظفي الحكومة بمزايا لم يحلموا بها، المعاشات التقاعدية والإجازات، وما شابه ذلك، التي يمكن للعامل العادي أن يحلم بها فقط، وما هو أسوأ من ذلك؛ أنّ العامل العادي يدفع ثمن كلّ تلك الامتيازات، ترامب يأخذ السلطة الحكومية ويعيدها إلى القطاع الخاص.
20- يفكر بنفسه
هل سيكون من الأفضل لو كره نفسه؟ إنّه يتمتع بشخصية قوية، بل قوية للغاية، كلّ العالم يتحدث عنه، وعلى مدى الأعوام الثلاثة الماضية، أليست الشخصية القوية هي ما نريده في القائد؟
*كاتب عراقي والمقال عن موقع “حفريات”
LEAVE A COMMENT