بقلم سيرج دانيال
أعلن قائد الانقلاب في مالي الكولونيل أسيمي غويتا تجريد الرئيس ورئيس الوزراء الانتقاليين من صلاحياتهما في اليوم التالي لاعتقالهما، في ما يشبه انقلاباً ثانياً خلال تسعة أشهر، ما أثار تنديداً دولياً وتهديداً بفرض عقوبات هي الأولى.
ومنذ الاثنين، أثار توقيف الرئيس ورئيس الوزراء وعدة مسؤولين حكوميين كبار في هذا البلد الأساسي لاستقرار منطقة الساحل والذي يواجه انتشار الجهاديين، سلسلة إدانات حيال العسكريين.
وتحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي تنشر بلاده أكثر من خمسة آلاف جندي ضد الجهاديين في الساحل، عن “انقلاب داخل انقلاب وهو أمر مرفوض”.
وقاد الكولونيل غويتا وضباط آخرون الانقلاب ضد الرئيس المنتخب إبراهيم بوبكر كيتا في 18 آب/أغسطس 2020 قبل تعيين السلطات الانتقالية التي أصبحت تحت سيطرتهم.
وقال ماكرون خلال مؤتمر صحافي إثر قمة أوروبية في بروكسل إن قادة الاتحاد الأوروبي “مستعدون في الساعات المقبلة، في حال لم يتمّ توضيح الوضع، لفرض عقوبات محددة الهدف” بحق الأطراف المعنيين.
وطلبت فرنسا عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي.
وتتالت الدعوات للإفراج الفوري وغير المشروط عن المسؤولين الموقوفين وللعودة إلى الانتقال السياسي الذي يُفترض أن يعيد المدنيين إلى الحكم، من جانب بعثة الأمم المتحدة إلى مالي (مينوسما) والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) والاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا.
ووصل وسيط دول غرب إفريقيا غودلاك جوناثان بعد ظهر الثلاثاء إلى باماكو وصرح للصحافيين أنه حضر لان دول غرب إفريقيا “قلقة الى حد ما”، لافتا الى أنه سيلتقي العسكريين وممثلي المجتمع المدني ومسؤولين من دون أن يدلي بتعليقات اضافية.
قبل بضع ساعات، كان الكولونيل أسيمي غويتا قد خرج عن صمته في إعلان لاستعادة السيطرة قرأه متعاون بالزي الرسمي على التلفزيون الوطني الذي علّق إضرابه بسبب الظروف.
واتهم غويتا الرئيس باه نداو ورئيس الوزراء مختار وان بتشكيل حكومة جديدة بدون التشاور معه، رغم أنه مسؤول عن الدفاع والأمن، وهما حقيبتان حيويتان في هذا البلد الذي يعاني حالة اضطراب.
وقال إن “هذا الاجراء يدل على إرادة واضحة لرئيس المرحلة الانتقالية ورئيس الوزراء بانتهاك الميثاق الانتقالي …، حيث ثبت وجود نية لتخريب العملية الانتقالية”.
واعتبر غويتا أنه “ملزم بالرد” و”تجريد الرئيس ورئيس الوزراء وجميع الأشخاص المتورطين من صلاحياتهم”.
ويثير غموض الصياغة تساؤلات حول احتمال قيام نائب الرئيس بإقالة الرئيس ورئيس الوزراء من منصبيهما لفشله في الحصول على استقالتهما تحت الإكراه.
– انتخابات “خلال العام 2022” –
وتطرح أيضاً الأحداث أسئلة حول مدى احترام الجدول الزمني لعودة المدنيين إلى السلطة.
كانت السلطات الانتقالية أعلنت تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في شباط/فبراير وآذار/مارس 2022. وقال الكولونيل غويتا إن المرحلة الانتقالية ستجري في “مسارها الطبيعي وأن الانتخابات المزمع إجراؤها، ستنظم خلال العام 2022”.
قاد الكولونيل غويتا الانقلاب ضد الرئيس عام 2020 بعد أشهر من الاحتجاجات الشعبية. ثم عيّن المجلس العسكري السلطات الانتقالية، بما فيها باه نداو وهو عسكري متقاعد والدبلوماسي مختار وان.
وتعهد المجلس العسكري تحت ضغط دولي، بإعادتها إلى مدنيين منتخبين بعد 18 شهرا، وليس ثلاث سنوات كما كانوا ينوون من قبل. ومع ذلك، احتفظوا بالسيطرة على مقاليد السلطة، مع غويتا نائبا للرئيس ومكلفا الشؤون الأمنية.
الاثنين، اعتُقل الرئيس ورئيس الوزراء بعد ساعات فقط من تشكيل حكومة جديدة إثر استقالة الحكومة السابقة أمام تزايد الاحتجاجات ضدها.
وأمضى الرئيس الانتقالي باه نداو ورئيس الوزراء مختار وان الليلة في عهدة الجنود الذين قادوهما الاثنين الى معسكر كاتي على بعد بضعة كيلومترات من باماكو، وفق ما عُلم من مصدر مقرب من العسكريين.
وقال مسؤول عسكري كبير تحدث شرط عدم كشف هويته بسبب الوضع المتقلّب إنهما “سالمان وبصحة جيدة. أمضيا الليلة في ظل ظروف جيدة. التقى الرئيس طبيبه الخاص”.
– “نتيجة منطقية” –
ويقول محللون إن تركيبة الحكومة التي أعلنت الإثنين لم تكن موضع ترحيب من الضباط رغم أن العسكريين احتفظوا فيها بمناصب رئيسية، مع استثناء شخصيتين من المجلس العسكري السابق من حقيبتي الدفاع والأمن.
ورغم أنها كانت متوقعة، فإن هذه الهزة سببت للماليين ذعرا متجددا فيما لم تلق الدعوات إلى التجمع في باماكو للاحتجاج، أي صدى عملي. وقد أظهرت العاصمة، في يوم العطلة هذا المخصص لإفريقيا، وجهها المعتاد من حيث حركة المرور الكثيفة وانتشار الباعة المتجولين.
والعسكريون الذين رحب بهم في البداية السكان الغاضبون من انعدام الأمن والفساد، عرّضوا أنفسهم للانتقاد جراء إظهارهم حبا للسلطة.
ورأى عالم الاجتماع بريما إيلي ديكو في الأحداث الأخيرة امتداداً متوقعاً لانقلاب 2020. وقال “ما نعيشه اليوم هو نتيجة منطقية لعيوب بداية المرحلة الانتقالية”، عندما استبعد العسكريون الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني التي قادت على مدى أشهر الحركة الاحتجاجية ضد السلطة السابقة.
المصدر: © AFP