مع حلول الذكرى المئوية الثانية لوفاة نابليون بونابرت، تتنامى حدة التوتر والجدل حول شخصيته ودوره في تاريخ فرنسا.
تقول صحيفة “إيكونوميست” (Economist) البريطانية -في تقرير لها- إن أول إمبراطور لفرنسا اشتهر لدى البعض بعبقرية تخطيطه العسكري وتفكيره الإستراتيجي وبراعته في القيادة، حتى أنه ترك لفرنسا إدارة حديثة مركزية وشعورا بالفخر. في المقابل، كان بالنسبة للآخرين عبارة عن طاغية وسفاح بدّد السيادة الفرنسية في أوروبا في معركة واترلو عام 1815، التي انتصر فيها البريطانيون وهزموا جيش نابليون هزيمة ساحقة.
استطاع نابليون توحيد أرجاء واسعة من أوروبا بالقوة، لكنه مُني بهزائم متوالية كانت آخرها “واترلو”، حيث لجأ عقبها إلى القوات البريطانية التي نفته إلى جزيرة سانت هيلانة بالمحيط الأطلسي، ومات هناك بعد 6 أعوام، وهو في الـ51 من عمره.
الوجه الآخر لنابليون
وتزامنا مع الذكرى المئوية الثانية لوفاته في 5 مايو/أيار 1821، عاد الجدل بقوة حول الإمبراطور الفرنسي، إذ أعلن النائب عن حزب اليسار الفرنسي أليكسيس كوربير أنه “لا ينبغي للجمهورية الفرنسية أن تحتفل بمُهلكها”، بينما قال الرئيس السابق للمجلس الدستوري جان لويس ديبري إن “المبالغة في ذلك” ستكون بمثابة “استفزاز”.
من ناحية أخرى، ساندت حركة “حياة السود مهمة” أولئك الذين يرفضون إقامة أي احتفال بقائد أعاد العبودية إلى جزر الهند الغربية (في منطقة الكاريبي الفرنسية) عام 1802.
وفي هذا السياق، قال عمدة مقاطعة سان لوران الاشتراكي نيكولاس ماير روسينول إنه يريد استبدال التمثال البرونزي المهيب للإمبراطور على صهوة الحصان الموجود خارج مقر بلدية نورماندي.
ومع ذلك، يعترف الفرنسيون أيضا بأنهم مدينون بالكثير من حداثة دولتهم ومؤسساتها، فضلا عن تطلعات بلادهم، إلى “الكورسيكي الصغير” نسبة للجزيرة المتوسطية التي ولد فيها.
وفي مقال لرقية ديالو الكاتبة الفرنسية بصحيفة واشنطن بوست (Washington Post) الأميركية حول قرار الحكومة الفرنسية تكريم “الطاغية” نابليون بونابرت، ذكرت أنه رغم طغيان بونابرت وقتله الملايين من سكان أفريقيا وجزر الكاريبي، فإنه لا يزال يحظى بالاحترام في فرنسا كشخصية بارزة.
وقالت إن فرنسا تحتفل هذا العام بمرور 20 عاما على قانون توبيرا الذي أقر بأن تجارة الرقيق والرق تشكل جرائم ضد الإنسانية، لافتة الانتباه إلى أن نابليون مرتبط بشدة بهذه الجرائم، “فقد أعاد العبودية عام 1802 بعد إلغائها في عام 1794، وجعل فرنسا الدولة الأولى والوحيدة التي استعادتها”.
وأشارت ديالو إلى أن ماكرون قال إن هذ القرار الفظيع “خطأ، وخيانة لروح التنوير”، لتقول “لكن العبودية لم تكن فكرة نظرية قرر نابليون معارضتها. فقد كان خادما للاقتصادات الغربية، ولم يكن بطلا، بل قاتلا جماعيا قمع بوحشية التحديات لحكمه”.
جدل متجدد
وبصفته القنصل الأول، أنشأ نابليون المدونة القانونية الفرنسية، وبنك فرنسا والنظام الإداري لحكام المقاطعات والمدارس الثانوية، ووسام جوقة الشرف، وأكثر من ذلك بكثير. وفي استطلاع للرأي أُجري عام 2016، اختير نابليون كثاني أهم رجل فرنسي في التاريخ، بعد شارل ديغول. ويستقبل قبره المصنوع من الكوارتزيت الأحمر في ليزانفاليد (الدائرة السابعة من باريس في فرنسا)، الواقع في عزلة تامة في سرداب أسفل القبة، أكثر من مليون زائر سنويا، بحسب الصحيفة البريطانية.
وعدت مؤسسة نابليون بإصدار عشرات الكتب الجديدة هذا الربيع، فضلا عن عقد المؤتمرات والمعارض الكبيرة في باريس. وقال المؤرخ الفرنسي باتريس غينيفي الذي يعتبر نابليون بمثابة شخصية تاريخية في نفس مرتبة الإسكندر الأكبر أو يوليوس قيصر (وكلاهما أيضا قتل الكثير من الناس)، إن “لدينا كل الأسباب التي تجعلنا نفخر به”.
وفي عام 2005، رفض الرئيس السابق جاك شيراك -في خضم الاحتجاجات القائمة في ذلك الوقت- إحياء الذكرى المئوية الثانية لانتصار نابليون في معركة أوسترليتز 1805. وبشكل عام، تناقش البرامج الحوارية ما يجب القيام به هذا العام، وحقيقة ما إذا كان إرث نابليون ضارا أو نافعا لفرنسا.