واشنطن- “ساحات التحرير”
أورد “صندوق النقد الدولي” تقريرا في 26 تموز الجاري نورده هنا كاملاً لما فيه من مؤشرات شديدة الأهمية:
أدى تحسن الأوضاع الأمنية وتعافي أسعار النفط إلى تقليص مواطن الضعف في المدى القريب. فسجلت المالية العامة والحساب الجاري فوائض كبيرة في 2018 – حوالي 8% و 6% من إجمالي الناتج المحلي، على الترتيب – مما سمح للحكومة بتسديد الدين المحلي وتكوين هوامش أمان في المالية العامة. ومع نهاية 2018، بلغ إجمالي الاحتياطيات الدولية 65 مليار دولار أمريكي.
غير أن إعادة الإعمار وتعافي الاقتصاد بعد الحرب سارا بمعدل بطيء. واقتصر ارتفاع إجمالي الناتج المحلي غير النفطي على نسبة 0,8% على أساس سنوي في 2018، نظرا لضعف تنفيذ عمليات إعادة الإعمار وغيرها من الاستثمارات العامة. وانكمش إجمالي الناتج المحلي الكلي بنحو 0,6% مع خفض الإنتاج النفطي إعمالاً لاتفاق أوبك+.
وتتضمن ميزانية 2019 درجة كبيرة من التيسير المالي من شأنها زيادة مواطن الضعف التي تراجعت في الآونة الأخيرة. فمن المتوقع أن يرتفع الإنفاق الجاري بنسبة 27% على أساس سنوي، فيما يرجع جزئيا إلى ارتفاع فاتورة أجور القطاع العام، بينما تضعف الإيرادات بسبب إلغاء ضرائب غير نفطية. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن تعود الميزانية إلى تسجيل عجز قدره 4% من إجمالي الناتج المحلي في 2019، كما يُتوقع أن تنخفض الاحتياطيات.
ومن المتوقع أن يستمر تراجع مركز المالية العامة والمركز الخارجي على المدى المتوسط ما لم تحدث تغييرات في السياسات – مع هبوط الاحتياطيات إلى أقل من المستويات الكافية وتآكل هوامش الأمان في المالية العامة. وبالرغم من أن مستوى الدين العام سيظل في حدود يمكن تحملها، فسوف تزداد احتياجات التمويل الإجمالية للمالية العامة. ومن المتوقع أن يصل النمو في إجمالي الناتج المحلي غير النفطي إلى 5,5% في 2019، لكنه سيتراجع مجددا على المدى المتوسط.
وفي سياق التقلب الكبير الذي تشهده أسعار النفط، ينشأ الخطر الأساسي على الآفاق المتوقعة من احتمال هبوط أسعار النفط، مما يمكن أن يخفض الصادرات ويقلِّص إيرادات الميزانية، ومن ثم يؤدي إلى انخفاض أكثر حدة في الاحتياطيات أو ارتفاع أشد في الدين العام. وثمة مخاطر أخرى تنبع من التوترات الجغرافية-السياسية، واحتمال حدوث قلاقل اجتماعية في سياق ضعف الخدمات العامة وعدم تحقيق تقدم في محاربة الفساد.
تقييم المجلس التنفيذي: احتواء الإنفاق وزيادة الإيرادات غير النفطية
اتفق المديرون التنفيذيون مع الخط العام لتقييم خبراء الصندوق. ورأوا أن تحسن الاقتصاد العراقي مؤخرا أمر مشجع، لكنهم أقروا بالتحديات الجسيمة التي لا تزال تواجه البلاد. فالظروف الاجتماعية لا تزال قاسية، والتقدم بطيء في إعادة الإعمار بعد الحرب، والاحتياجات التنموية كبيرة، وجوانب الضعف المؤسسية كبيرة. وهناك مصاعب إضافية يفرضها تقلب أسعار النفط وصعوبة البيئة الإقليمية والجغرافية-السياسية. وحث المديرون السلطات على اغتنام فرصة تحسن الوضع الأمني وارتفاع أسعار النفط لتنفيذ سياسات وإصلاحات هيكلية تهدف إلى ضمان الاستقرار الاقتصادي الكلي والمالي، ومعالجة المشكلات الاجتماعية القائمة منذ وقت طويل، وتعزيز النمو المستدام والاحتوائي.
وأكد المديرون أن بناء إطار قوي للمالية العامة أمر ضروري للحفاظ على استقرار المالية العامة والاقتصاد الكلي وتعزيز هوامش الأمان. وحثوا السلطات على اعتماد منهج لسياسة المالية العامة يسترشد بمستويات المخاطر ويرتكز على القواعد، في إطار إصلاحات أوسع نطاقا لإدارة الإيرادات النفطية بمزيد من الفعالية، والحد من الاتجاهات المسايرة للتقلبات الدورية، والتحول في الإنفاق إلى بنود أكثر مراعاة للنمو. وأيد المديرون زيادة الإنفاق بالتدريج على أغراض إعادة الإعمار والتنمية بالتوازي مع تحسين الطاقة الاستيعابية. وشددوا على الحاجة إلى تقوية الإدارة المالية العامة لضمان متابعة الإنفاق العام بصورة ملائمة والحد من مواطن التعرض لمخاطر الفساد. وفي هذا السياق، رحب المديرون بإقرار قانون الإدارة المالية الاتحادية مؤخرا وحثوا على تنفيذه بالكامل.
وأكد المديرون أن الضبط المالي التدريجي، بما في ذلك احتواء الإنفاق الأولي الجاري وزيادة الإيرادات غير النفطية، أمر ضروري للحفاظ على الاستدامة المالية وإبقاء الدين في حدود يمكن تحملها. وأوصوا بأن يكون احتواء زيادة فاتورة الأجور وتخفيض الدعم لقطاع الكهرباء من الأولويات في إجراءات الإنفاق. وأكد المديرون أن الفئات الأفقر والأقل دخلا يجب حمايتها من التأثر بعملية الضبط المالي.
وأكد المديرون ضرورة القيام بإصلاح شامل للقطاع المصرفي بغية الحفاظ على الاستقرار المالي. وحثوا السلطات على إعادة هيكلة البنوك الكبيرة المملوكة للدولة، وتعزيز الرقابة عليها، وتنفيذ إصلاحات أخرى لزيادة أنشطة الوساطة المالية. وسلط المديرون الضوء على مزايا زيادة الشمول المالي، وخاصة لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة الذي يتمتع بإمكانات كبيرة لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل.
واتفق المديرون على أن بناء المؤسسات العامة وتعزيز الحوكمة عاملان أساسيان للنجاح، وسلطوا الضوء على المجال المتاح للاستفادة من أنشطة تنمية القدرات التي يقدمها الصندوق لدعم هذه الجهود. ورحبوا بالتقدم الذي تحقق في وضع إطار لمكافحة الفساد ودعوا لإجراء مزيد من التعديلات في المنظومة القانونية لمكافحة الفساد مع تقوية التنسيق بين الجهات الحكومية المعنية، ومواصلة العمل على تقوية إطار مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وأوصى المديرون أيضا بتعزيز إطار إدارة الاستثمارات العامة لضمان توجيه الإنفاق بصورة سليمة واستخدام أموال المانحين الموجهة لإعادة الإعمار بأكفأ الطرق الممكنة.
وأعرب المديرون عن تطلعهم لمواصلة العمل الوثيق بين السلطات والصندوق في سياق المتابعة اللاحقة للبرنامج.
LEAVE A COMMENT