بقلم ليال أبو رحال
خلال عشر سنوات من عمر النزاع في سوريا، فشلت المعارضة على اختلاف مكوّناتها بتوحيد صفوفها وتقديم بديل جدي عن النظام. وعلى وقع خسائر ميدانية متتالية، بات صوتها خافتاً وقياداتها مشتّتة وتتحرّك وفق أجندات داعميها.
ولم تنجح مجموعات المعارضة السياسية المقيمة بغالبيتها في المنفى في بناء جسور مع الداخل. وغالباً ما اتُهمت بعدم تمثيلها لصوت الشارع المعارض والفصائل المقاتلة التي تمكنت في سنوات النزاع الأولى من السيطرة على نحو ثلثي مساحة البلاد.
عقدت أولى اجتماعات المعارضة مطلع حزيران/يونيو 2011 في مدينة أنطاليا التركية، بعد أسابيع من بدء التظاهرات الاحتجاجية في سوريا. وشارك في الاجتماعات ممثلون عن جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في سوريا، وعن “اعلان دمشق” الذي ضم هيئات وشخصيات معارضة في الداخل والخارج، وشخصيات كردية وشبان يشرفون على تنظيم التظاهرات.
في تشرين الأول/أكتوبر 2011، وبعد اجتماعات في تركيا، تأسس المجلس الوطني السوري. وتحالف بعد عام مع مجموعات أخرى أبرزها لجان التنسيق المحلية التي دأبت على الدعوة وتنسيق التظاهرات أسبوعياً، والمجلس الوطني الكردي، تحت مسمّى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.
وبات يُنظر الى الائتلاف الذي تأسّس في الدوحة، على أنّه الأكثر تمثيلاً للمعارضة. وفيما منيت قوات النظام بخسائر متلاحقة في الميدان، حظي الائتلاف باعتراف رسمي من أكثر من مئة دولة غربية وعربية في مؤتمر “أصدقاء سوريا” نهاية العام 2012 بوصفه “ممثلاً وحيداً للشعب السوري”.
في هذه الأثناء، بدأت سلميّة التظاهرات تتحطم بعد قمع عنيف تطوّر الى نزاع مسلح دخلت على خطه تدريجياً دول عدة، خليجية كقطر والسعودية أرسلت مالاً وسلاحاً للمعارضين، وغربية وعربية صدحت ببيانات مطالبة برحيل الرئيس بشار الأسد.
– عسكرة وأجندات خاصة –
مع عسكرة النزاع، تعدّدت الفصائل المقاتلة التي تلقت دعماً من جهات ودول لها أجندات خاصة، ولم تحظ بدعم عسكري كاف لدحر قوات النظام كما توقّعت، لخشية الغرب من تكرار سيناريو الفوضى الليبي.
وأسهم تصاعد نفوذ التنظيمات المتشددة لا سيما تنظيم الدولة الإسلامية منذ العام 2014 بإضعاف المعارضة سياسياً وعسكرياً. ومع استقطابه آلاف المقاتلين الأجانب وتنفيذه هجمات دامية في الخارج، انصبّ تركيز المجتمع الدولي بقيادة واشنطن على دعم الفصائل الكردية (التي بقيت خارج تكتل المعارضة) وحلفائها لمواجهة الجهاديين عوضاً عن دعم خصوم الأسد.
في مطلع العام 2014، شارك الائتلاف مع وفد من النظام في جولتي مفاوضات بإشراف الأمم المتحدة سعيا لإيجاد حل للأزمة، من دون إحراز تقدم. وبرعاية سعودية، تشكلت نهاية 2015 الهيئة العليا للمفاوضات التي ضمّت أطيافاً واسعة من المعارضة أبرزها الائتلاف وفصائل مقاتلة، تمهيداً لبدء مفاوضات جديدة مع النظام في جنيف.
وظهرت لاحقاً منصات أخرى تتحدث باسم المعارضة: منصة القاهرة التي ضمت معارضين من الداخل والخارج، ومنصة موسكو برئاسة نائب رئيس الوزراء الأسبق قدري جميل. في الداخل، نشطت مجموعات معارضة، بعضها مقبول إجمالاً من النظام، ضمت أحزاباً قومية ويسارية وكردية وشخصيات وطنية، لم يسلم بعض أعضائها من الاعتقال، وأخرى محسوبة على دمشق. وقد دعيت جميعها الى جنيف.
– خسائر وشروط –
مع انطلاق جولات المحادثات عام 2016، وجدت مجموعات المعارضة نفسها مطالبة بتوحيد وفدها رغم تباين موقفها خصوصاً من مصير الأسد. في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، تأسست هيئة التفاوض العليا على وقع ضغوط دولية للتخلي عن الشروط المسبقة، لا سيما تنحي الأسد، قبل بدء التفاوض.
وبعد خسائر ميدانية أبرزها في مدينة حلب (شمال) نهاية 2016، ثم الغوطة الشرقية قرب دمشق في نيسان/أبريل 2018، بدا واضحاً أن الدول التي دعمت المعارضة واستقبلت قياداتها باتت تتعاطى بواقعية أكبر مع بقاء الأسد.
وبدءاً من 2017، طغت محادثات أستانا برعاية روسيا وايران، حليفتي دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة، على مسار جنيف وأضعفته.
وبعدما كانت المعارضة تفاوض النظام في جنيف على مرحلة انتقالية بعد رحيل الأسد، تمهيداً لتسوية سياسية، باتت المحادثات تقتصر اليوم على لجنة دستورية تضمّ ممثلين عن الطرفين لبحث تعديل أو وضع دستور جديد. لكنّها لم تحقق تقدماً بغياب “نية للتسوية” باعتراف الأمم المتحدة.
– مكاسب ضئيلة –
في الخلاصة، لم تفرز المعارضة قيادة بديلة تشكل محاوراً يتمتع بالمصداقية للمجتمع الدولي، وبقيت رهينة أجندات دول تدعمها أو تحرّكها، ما شكّل خيبة أمل حقيقية للناشطين و”الثوّار”.
ويقول الناشط الحقوقي البارز مازن درويش الذي اعتقل لنحو أربعة أعوام في سجون النظام وخطف عدد من فريق عمله قرب دمشق، “المعارضة هي إحدى الخيبات”.
ويضيف “بعض المعارضين يعملون كسفراء لدول أخرى ويمثلون مصالحها في سوريا (…) تعاملوا مع النظام كما لو أنه سيسقط خلال أشهر وكان الهم الأساسي من سيحظى بمنصب، بينما كنا نحن نحلم بتغيير النظام والحريات وحقوق الانسان”.
في إدلب التي نزح اليها بعد خروجه من الغوطة الشرقية قرب دمشق، يقول خالد عكاشة (23 عاماً) لفرانس برس “عند انطلاق الثورة، خرجنا من أجل هدف، حلمنا بسوريا المستقبل التي لا يحكمها نظام دكتاتوري يتحكم بكل شاردة وواردة”.
لكن بعد عقد من الزمن، “خسرنا كثيراً. لن أقول فشلت المعارضة لكن المكاسب التي حققتها لا تعادل أبداً ما انتظرناه. خسرنا عشر سنوات من أعمارنا، تدمر البلد فيما النظام زاد قمعاً وإجراماً”.
ويخلص الى القول “ما لم تتمكن المعارضة من إنجازه خلال عشر سنوات، لن تتمكن من تحقيقه اليوم”.
المصدر: © AFP