بالامس كنت في محافظة الناصرية في تسجيل لحلقة من برنامج المنقب وكانت الحلقة عن موقع جوخة الاثري الذي يضم بين طياته مملكة أوما السومرية اول مملكة حقيقية في ارض الرافدين على مساحة واسعة من الارض تمتد 7 كيلومترات مابين جوخة وأم العقارب المدينة الرديفة. وهناك شاهدت واحدة من اكبر مذابح التاريخ الاثرية؛ فمافيات الاثار وجنودهم من لصوص الاثار احالوا ارض الموقع الى ما يشبه ارض الفاو التي ثقبت كالمنخل من جراء عمليات النهب المستمرة منذ العام 1991 وازدادت شراسة بعد عام 2003 وحتى لحظة كتابة هذه السطور.
اللصوص ياتون من ناحية الفجر بصورة رئيسية مدججين باحدث الاسلحة الخفيفة والمتوسطة وبسيارات رباعية الدفع حديثة وقوية معززين بفجور عظيم وشراسة لا يجد الحُراس (العزل) معها الا المكث في غرفتهم (الطينية) بانتظار انتهاء اللص الاثاري المخرب من نبشه وتمزيقه لجزء آخر من هذه الارض ، وهم يسمعون لعلة رصاصه وشتائمه وكلماته النابية وهو يلومهم على مجرد التواجد هاهناك فيما هم يتقاضون رغم الخطر الداهم والمزمن اقل من 250 دولارا .
الطريق الى جوخة من بلدة الرفاعي مرهق للغاية فهو يمتد لاكثر من 38 كم، منها 34 غير مبلطة ووعرة وزلقة وكثبان الرمال المتحركة تزحف من الجنوب الى الشمال وتغطي اجزاء من الموقع.
المنظر محزن ويدعو الى الغضب فالكنوز تنهب والتراث يدمر والفوضى تعم الطبقات الاثرية ما يجعل اي عملية تنقيب قادمة معرضة للتشويش.
المافيا نشأت في تسعينيات القرن الفائت ورغم اعدام عائلة باكملها من زعماء التهريب في تلك الحقبة الا ان خلفائها لم يتأخروا ، وهناك مقولة شهيرة تتردد هناك ان (الفجر) هي عاصمة تهريب الاثار العراقية.
المافيا مستعدة للقتل وتصدم بكل من يتصدى لها من الحراس الذين جلب بعضهم اسلحتهم الشخصية للدفاع عن انفسهم. لكن ماذا يفعل الكلاشنكوف اما البي كي سي؟
والحراس الذين يسلكون الطريق الوعرة لن يستطيعوا الوصول الى الموقع في الايام الماطرة لانها تتحول الى بحيرات موحلة وانهارا طينية، وعندها تكون مافيا التهريب في يوم عيد فسياراتهم القوية الحديثة قادرة على الوصول وتستطيع حينها ان تحظى بيوم (عمل) مريح !
هذا المنشور كتب ليطلع عليه القراء وليس للمسؤولين فهم يعرفون اكثر من ذلك وادق تفصيلا الا ان لديهم من موانع الكسل والفساد والاهمال ما يمنعهم عن التحرك شعرة واحدة لايقاف تلك المذبحة الكبرى التي يرونها بام العين ثم يديرون وجوههم بعيدا!