في أول كلمة له بعد حلول عام 2021، أكد رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، أن الدولة العراقية استعادت في 6 أشهر الماضية “عافيتها وثقتها بإمكاناتها”، مشدداً على أنه لن يسمح بانهيار العراق أو إفلاسه، وسط الأزمة المالية التي تواجهها البلاد.
جاء ذلك خلال كلمته في الجلسة الحوارية مع عدد من الوزراء وأساتذة الجامعات والمحللين السياسيين، وقال الكاظمي: “نبدأ عامنا بالأمل، المحنة قد عَدّت، ونفتتح عهداً جديداً نحتاج فيه الى التماسك والاستمرار في منهج الإصلاح”، مبيناً أن “2020 كان عاماً صعباً على الإنسانية مع تفشي وباء كورونا، والأزمة الاقتصادية، وتحديات أمنية وسياسية، وفي العراق كانت الأزمة أكثر تعقيداً، خسرنا أرواحا غالية، وعانينا كثيراً”.
ويواجه العراق أزمات متعددة ناهيك عن احتجاجات شعبية وإن خفت وتيرتها مؤخراً في الشارع، لكن حالة من القلق والاستياء سادت نفوس المواطنين وخاصة الموظفين منهم بسبب تأخر الرواتب خلال الأشهر الماضية، فضلاً عن رفع سعر الدولار مقابل الدينار العراقي، وفرض ضريبة الدخل وفق مشروع موازنة 2021.
ولفت رئيس الوزراء العراقي إلى أن “الأزمة والحراك الاجتماعي بكل ما نتج عنه، يمثلان ناقوس خطر للجميع، وبأن الوطن في خطر الشعب فقد ثقته ليس بالقوى السياسية فحسب، بل بالدولة ومؤسساتها”.
الكاظمي تسلم مقاليد الحكم في أيار الماضي، خلفاً لعادل عبدالمهدي الذي استقال من منصب رئيس الوزراء بضغط من المتظاهرين، وتابع رئيس الوزراء: “الحكومة التي تشرّفت بتكليف قيادتها جاءت وسط كل هذه الأزمات الكبرى، وعملت منذ اللحظة الاولى على تفكيك هذه الأزمات وتقليل آثارها على شعبنا ومستقبل أجيالنا، وأبعدنا شبح صراع إقليمي ودولي كان من الممكن أن يدخل العراقي في سلسلة طويلة من الحروب، مبيناً أن “الدولة استعادت في 6 أشهر الماضية عافيتها وثقتها بإمكاناتها، القوات الأمنية أصبحت أكثر ثقة وصلابة واستعادت علاقتها مع الناس، والجيش أضحى اليوم أكثر انسجاماً، وهو مستعد في أي لحظة لحماية الشعب ضد أي خطر”.
يأتي هذا مع تصاعد التوترات الإقليمية والمخاوف من تحركات عسكرية بين الولايات المتحدة وإيران على الأرض العراقية، كما حصل تحديداً قبل عام من الآن، حيث اغتالت واشنطن قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد، وفي المقابل تلويح إيران بعزمها على الانتقام.
وحول العلاقات الخارجية، شدد الكاظمي: “أقول بثقة اليوم إن 6 أشهر من عمل هذه الحكومة كانت كفيلة بأن يتمتع العراق بأقوى منظومة للعلاقات والثقة الإقليمية والدولية به وبحكومته لم يشهدها منذ عقود طويلة .. اليوم كل جيراننا وكل العالم يسعون الى دعم العراق والتعاون لنهضته من كبوته .. أدرك الجميع أن التوازنات الإقليمية والدولية بحاجة الى عراق قوي متماسك موحد، وهذا لم يأت من فراغ بل من عمل وجهد وحسن نية وصراحة في التعامل مع الجميع”.
في 31 تموز الماضي، حدد رئيس الوزراء العراقي، السادس من حزيران المقبل موعداً للانتخابات المبكرة، وبهذا الشأن ذكر أن “على مستوى الانتخابات المبكرة التي كانت مطلب الجماهير والمرجعية، فقد قطعنا أشواطا كبيرة فيها، لدينا الآن قانون انتخابي ومفوضية ناجزة، وقانون تمويل للانتخابات، ولم يبق أمامنا سوى تشكيل المحكمة الاتحادية التي نعمل عليها مع السلطات الأخرى بكل قوة”.
وتعود أسباب الأزمة المالية إلى جائحة كورونا وتدهور أسعار النفط وتراجع الإيرادات، ما أدى ذلك إلى حدوث عجز كبير في الموازنة العامة واضطرار وزارة المالية إلى الاقتراض من المصارف لغرض دفع الرواتب وتلبية الاحتياجات الإنفاقية الأخرى المتعلقة بالخدمات المقدمة للمواطنين.
ووصل مشروع قانون الموازنة المالية العامة لعام 2021 إلى مجلس النواب العراقي، الثلاثاء الماضي، بعد التصويت عليها من قبل مجلس الوزراء، والذي تضمن تضمن استقطاع 40% من رواتب الرئاسات الثلاث ومجلس القضاء الأعلى و30% لرواتب الوزراء والنواب ومن بدرجتهم، إضافة إلى استقطاع 10% عن كل من يتراوح دخله الشهري بين 500 ألف ومليون دينار (لكن الـ500 ألف الأولى غير مشمولة بالضريبة) وتفرض بنسبة 20% على من يتقاضى راتباً يتراوح بين مليون ومليون ونصف مليون دينار عراقي و 30% عن كل ما زاد عن 1.5 مليون دينار. كما تفرض ضريبة 10% مقطوعة على المكافآت التقاعدية ومكافآت نهاية الخدمة.
ولفت الكاظمي إلى أن “شعبنا تأثر كثيرا بالأزمة المالية، مثلما تأثر العالم بالأزمة الاقتصادية الناتجة عن جائحة كورونا، ولكن وقعها على العراق كان أصعب .. وللأسف الحكومات السابقة لم تخطط لمثل هذه الأزمات، والعراق لم يشهد أي تنمية، بل تم تدمير صناعته وزراعته وتعليمه ونظامه الصحي، خلال العقود الأخيرة، وأصبح الاقتصاد العراقي رهنا لأسعار النفط، في أجواء اقتصادية هزيلة مع تفشي الوباء. والفساد كان قد أكل الأخضر واليابس”.
عن الورقة البيضاء، وهي مشروع لإصلاح الاقتصاد قدمها الكاظمي في 13 تشرين الأول الماضي، لتجاوز الأزمة المالية، قال: “استطعنا الاستمرار في توفير رواتب الموظفين، وأجرينا إصلاحات وأعددنا ورقة بيضاء قادرة على مواجهة هذه الأزمة والأزمات المقبلة، ولن نسمح بانهيار العراق او إفلاسه كما أفلست دول أخرى، وحمينا الطبقات الفقيرة في الموازنة، وسنبدأ بتطبيق الورقة البيضاء، والأهم تبني الموازنة العمل والاستثمار في المشاريع الكبرى التي ستعمل على توفير فرص عمل للشباب، وينتعش السوق ويصبح العراق مصدرا للصناعة والزراعة وليس للنفط فقط”.
تشير تقارير منظمة الشفافية الدولية إلى أن العراق كان خلال السنوات الأخيرة وباستمرار، واحداً من أكثر دول العالم فساداً، وتقول منظمة النزاهة (G.A.N) الأمريكية في تقرير لها إن الحكومة العراقية تواجه مجموعة عقبات جدية تُبقيها ضعيفة، والفساد واحد من هذه العقبات، حيث أثّر الفساد على مختلف القطاعات في البلد وأدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وتقليص المجالات التي توفر فرص العمل، فقد أشارت موازنة العام 2014 إلى أنه تم إنفاق 190 مليار دولار على ستة آلاف مشروع غير مكتمل أو متوقف أو وهمي، وفي هذا الإطار كان حجم الهدر منذ العام 2003 يقدر بنحو 300 مليار دولار.
وفي سياق مكافحة الفساد، أوضح الكاظمي: “أسسنا لجنة مكافحة الفساد والجرائم الاستثنائية، ولأول مرة تجد رؤوس كبيرة نفسها في السجن لا يحميها حزب ولا متنفذون، ومستمرون في ذلك، وسيكون عام 2021 عام كشف الحقائق الكبرى الخاصة بالفساد الذي أثّر في الاقتصاد والتنمية”.
وتذكر البيانات والإحصائيات التي تم الحصول عليها أن حجم الفساد منذ العام 2003 قد تجاوز 400 مليار دولار. يأتي هذا في وقت تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن نسبة الفقر في العراق ارتفعت إلى 31% وهناك فقر مشهود في المناطق الجنوبية من البلد.
ورداً على المنتقدين بعد تعرضه لانتقادات الكتل السياسية وخاصة خلال الفترة الأخيرة، قال رئيس الوزراء العراقي: “قدمنا موازنة طموحة تتزامن مع إصلاحات الورقة البيضاء ، وقد تعرضنا بسببها للطعن والمزايدات، ولطالما أكدت بأنني جئت للإصلاح، ولن توقفني المزايدات والاستعراضات حتى لو كلفني ذلك حياتي”.
وتابع مخاطباً خصومه: “كفى مزايدات على حساب العراق .. الموازنة والورقة البيضاء ليست مجرد إصلاحات شكلية لمجاملة بعضنا، بل هي جهد تؤيده كل المؤسسات الاقتصادية الدولية وكل الخبراء المعتبرين، علينا أن نتلمس جراح العراق العميقة، يكفي نزفا لأموال العراق وإمكاناته وموارده”.
واختتم قائلاً: “هذه فرصتنا الأخيرة لننهض، وأقول أمامكم وأمام شعبنا: لست طامعا بحكم أو منصب، وأضع مصلحتي ومستقبلي السياسي ثمنا للإصلاح، تأخرنا 17 سنة، ولن نتأخر بعد ذلك، وعلى كل مزايد أن يضع مصلحة العراق أمام ضميره”، معبراً عن تفائله بأن “عام 2021 هو عام (الإنجاز العراقي)، جميعنا سنصل الى هذا الإنجاز بسرعة وكفاءة، وستنتصر الدولة، العراق سينتصر على كل التحديات”.
وحتى الآن أعلن الكاظمي عدة مرات عدن نيته دخول سباق الانتخابات المبكرة، كان آخرها في 19 كانون الأول الماضي، حيث قال إنه أول المتضررين من الموازنة المقبلة، لتعرضه لانتقادات عديدة، مردفاً: “كان من الممكن أن أدخل للانتخابات وأخدع الناس، لكن ضميري لايسمح لي فعل ذلك”.