فرهاد علاء الدين
مع اقتراب الذكرى السنوية لعملية اغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني ورئيس اركان هيئة الحشد الشعبي أبو مهندي المهندس، تصاعدت وتائر الحرب الإعلامية بين واشنطن وطهران على نحو أثار قلق مختلف الأوساط. وقد تصدرت أنباء التصعيدات الأخيرة السوشيال ميديا وفي مقدمتها التغريدات الملغمة بالتهديدات من كلا الطرفين، حيث شهدت حسابات تويتر المرتبطة بالعاصمتين رسم ملامح لمواجهة عسكرية وشيكة.
الجانب الأمريكي كثف من جانبه تحركاته العسكرية في منطقة الخليج ومضيق هرمز، عبر إرسال حاملات الطائرات المقاتلة الى جانب تحليق عدد من القاذفات العملاقة إنطلاقا من قواعدها في الولايات المتحدة الأمريكية لتتسيد سماء الخليج العربي في موجة إستعراض للقوة وعلى نحو متناوب طيلة الايام القليلة الماضية. فيما وصف الجنرال فرانك مكينزي قائد القيادة المركزية الامريكية هذه التحركات بأنها “رسالة واضحة الى كل من ينوي إستهداف مصالحنا أو إلحاق الأذى بالامريكيين، نحن لا نسعى الى نزاع ولكن لا يجوز لاحد ان يقلل من قدرتنا على الدفاع عن قواتنا او الرد بحزم على أي هجوم”.
وبدورها عمدت طهران الى تأكيد قدرتها على التصدي لأي محاولة أمريكية تستهدفها، حيث تناوب العديد من كبار المسؤولين الإيرانيين على إطلاق التصريحات المنددة بالتحركات العسكرية الامريكية الأخيرة في المنطقة، ملوحين الى عزمهم ليس على صد اي هجوم محتمل بل “الانتقام الشديد” أيضا، إذ قال قائد فيلق القدس إسماعيل قآاني في تغريده له نشرتها وكالة تسنيم الإيرانية “ان هذا الانتقام ذو وجهين، الأول هو الانتقام من القتلة والامراء، والثاني هو إخراج القوات الامريكية من المنطقة”. بل توجت هذه التصريحات بإطلاق هاشتاغ #اخراجالمحتلثار_قادتنا.
مراقبون للوضع الأمريكي تركز إهتمامهم على إنشغال الإدارة الامريكية بمشاكلها الداخلية، حيث ينهمك الرئيس ترامب بكيفية اكمال المدة المتبقية من إدراته في غضون الأيام القليلة القادمة. والملاحظ أن جل اهتمامه انصب على الشأن الداخلي وما آلت أليه الانتخابات الرئاسية، فهو لازال يعتقد بأن لديه فرصة لقلب نتائج الانتخابات، وأن محاولته الأخيرة يوم ٦ كانون الثاني تتمثل بإنتظار فرضية إحتمال عدم مصادقة الكونغرس الأمريكي على نتائج الإنتخابات، على الرغم من أن هذه الفرصة مازالت صعبة التحقق على أغلب الظن. لذلك فأن الرئيس ترامب يظهر وكأنه غير مكترث بالسياسة الخارجية بقدر إهتمامه على مايجري بالداخل الأمريكي، وأن من يقود هذه السياسة هم وزير الخارجية وبعض المستشارين الذين يريدون التصعيد في آواخر أيام إدراتهم.
ويستبعد المراقبون العسكريون أي ضربة استباقية أمريكية على ايران، حيث قال الجنرال المتقاعد مارك كيميت، مساعد وكيل وزير الدفاع السابق ردا على سؤال: هل هناك أي فائدة عسكرية من توجيه ضربة لإيران في الأيام القادمة فأجاب: ” لا، لكن بالتأكيد أمريكا لن تقوم بضربة استباقية الا اذا كان هناك ضربة من ايران اولا، وفي هذه الحالة سيضطر أي رئيس امريكي للرد”. ولعل انسحاب حاملة الطائرات العملاقة نيميتز من الخليج عشية رأس السنة إشارة إيجابية على ان الولايات المتحدة لا تنوي توجيه ضربة الى ايران وانها ليست بحاجة الى هذه القوة العسكرية في المنطقة.
الاعتقاد السائد للمهتمين بالشأن الإيراني يشير الى إيران دولة تحسب لكل خطوة حسابات دقيقة وعميقة، ومعروف عنها قدرتها على المطاولة والمناورة، لذا ليس من المعقول ان تذهب القيادة الايرانية نحو التصعيد العسكري لعدة أسباب منها أولا، ان الإدارة الامريكية الحالية تنتهي ولايتها خلال أقل من ثلاثة أسابيع، لتأتي إدارة جديدة أغلب مسؤوليها وخصوصا وزير الخارجية ومستشار الامن الوطني هم من ساهموا بشكل فعال في مفاوضات أمريكا مع الدول الخمس للوصول الى الاتفاق النووي. وثانيا ان كل الإشارات التي وصلت الى القوى الموالية لإيران في منطقة الشرق الأوسط تؤكد السعي نحو التهدئة وعدم التصعيد. وثالثا أن التصريحات الإيرانية التي تتحدث عن الثأر على المدى البعيد، إنما تهدف الى إدامة الزخم الإعلامي والتحشيد الداخلي لدعم النظام ومحاولة لكسب تعاطف الداخل الإيراني، وهذا التعاطف قد يخسره النظام في حال نشوب حرب مدمرة لايقوى عليها شعب عانى بشدة من قسوة العقوبات الإقتصادية المستمرة منذ سنوات.
عليه فان طهران ستعطي الإدارة الجديدة في واشنطن فرصة إستعادة لغة الحوار والتفاهم الديبلوماسي، وفي حال استمرار سياسة الضغط والحصار الاقتصادي التي فرضتها إدارة ترامب، عندها ستلجأ بالتأكيد الى خيارات أخرى. لقد كانت الحكومة الإيرانية واضحة منذ بدء الحصار عليها عام ٢٠١٧، بإنها لن ترضخ لهذه السياسة طويلا، مثلما رضخ العراق في تسعينيات القرن الماضي، بإنتظار أن تشهد البلاد ساعات الإحتضار القاسي تحت وطأة الحصار. لكن الإيرانيون تحملوا حصار السنوات الأربع بانتظار رحيل الرئيس ترمب وهذا ماحصل بالفعل، ولو كان في نيتهم شن الحرب في محاولة لكسر الحصار والخروج من هذه العزلة الخانقة لفعلوها منذ بداية المواجهة مع الرئيس الامريكي.
بالإضافة الى أن الإيرانيين اكتفوا بقصف قاعدة عين الأسد غربي العراق، كرد على إغتيال سليماني والمهندس، مما يدل على أنهم لايفكرون بالحرب عبر مواجهة مباشرة مع أقوى ترسانة حربية بالعالم قدر تفكيرهم بمغادرة العقوبات الإقتصادية المفروضة عليهم بأقل الخسائر.
يبقى الاحتمال الآخر لبلوغ ذروة التصعيد العسكري الذي قد ينتهي الى إندلاع الحرب، يتمثل بقيام طرف ثالث والمقصود هنا إسرائيل بضربة لإيران او لقواعد وأهداف كبيرة تابعة لإيران في محاولة لجرها الى توجيه ضربة مماثلة لمصالح أمريكية في المنطقة. او اذا تم مهاجمة المصالح الامريكية من فصائل موالية لإيران في المنطقة واتهام ايران بهذه الضربات. برغم إمكانية وقوع أحد الاحتمالين أو كلاهما لكن كل المؤشرات القائمة تستبعد ذلك حتى اللحظة على الأقل.
أن الحوار الديبلوماسي وإنتهاج سبيل التفاهم مازالا يمثلان الخيار الأفضل لجميع الأطراف. وفي حال تحقق الحوار بين الطرفين، فأن التوصل لحلول مناسبة من شأنها أن تنعكس على إستقرار المنطقة عموما، والعراق بوجه خاص، وبالتالي إستعادة السلام الذي سيشكل حتما بداية حقيقية وواعدة لإعادة البناء والتنمية والإعمار. لاسيما وأن دول المنطقة والغرب عموما اجمع دفعت ثمنا باهضا جراء الركود الإقتصادي الذي أصاب العالم أجمع منذ نحو عام كامل بسبب إنتشار وباء كوورونا ومن قبله موجات الربيع العربي والحروب الداخلية ومواجهة تنظيمات داعش التي اجتاحت دول عدة.
* رئيس المجلس الإستشاري العراقي