تسعى الصين إلى استثمارات تصل قيمتها إلى 20 مليار دولار في محافظة المثنى العراقية، لتصبح ثاني أفقر مدينة بالبلاد بثرواتها من المواد الخام، عاصمة للصناعة عبر إنشاء سلسة مشاريع مختلفة.
وتمكّنت المثنى من جذب استثمارات خلال السنوات الماضية تجاوزت قيمتها المليار دولار لقطاع صناعة الإسمنت، تضمنت إنشاء 4 مصانع يبلغ إنتاجها السنوي 6 ملايين طن تقريباً، مستفيدةً من وجود مواد خام متمثلة في الأحجار الكلسية المتوفرة بكميات كبيرة، الأمر الذي جعلها عنصر جذب لعدد كبير من المستثمرين، إضافة إلى وجود عمالة رخيصة.
هذا النجاح جذب أيضاً استثمارات تقدر بأكثر من 600 مليون دولار لمشاريع الدواجن وبيض المائدة وإنتاج اللحوم وعدد من الصناعات الغذائية والتحويلية، معتمدة على مخزون جيد من المياه الجوفية، اختير لها أماكن تقع على الطريق الواصل بين المثنى والحدود السعودية الذي يبلغ طوله نحو 250 كلم، ويقع ضمن بادية المنطقة الجنوبية في العراق.
20 مليار دولار خلال سنوات
كل هذه المؤشرات الإيجابية، فضلاً عن علاقة بكين الجيدة مع طهران وحلفائها في العراق يبدو أنها كانت دافعاً للشركات الصينية المتخصصة في الصناعات الإنشائية لكي تنخرط في استثمارات تبدأ بمليارات الدولارات ضمن خطط واسعة لاستثمار نحو 20 مليار دولار في المحافظة الجنوبية، تجعل منها مصدّراً رئيساً للمنتجات الصناعات الإنشائية إلى الدول المجاورة للعراق والعالم عبر منافذه الحدودية.
وستتضمن المرحلة الأولى من الاستثمار الصيني في المثنى سلسة من مشاريع الصناعة الإنشائية بتكلفة 5 مليارات دولار هي مصانع للأرضيات والبورسلين “نانو كرستال”، والأدوات الصحية وسيراميك “للإكسسوار المذهب”، وللورق والكرتون المقوى بطاقة 125 مليون كرتونة شهرياً. أما المرحلة الثانية، فتكون مخصصة لإنشاء ستة مشاريع ومحطة لتوليد الطاقة الكهربائية بطاقة 1000 ميغاواط.
التصدير إلى أوروبا وشمال أفريقيا
يقول رئيس استثمار المثنى عادل الياسري إن الدائرة منحت موافقة لتنفيذ أكبر المشاريع الإنشائية في العالم والأول من نوعه على مستوى العراق لتحالف شركات هولدر ونكير وسان يان الصينية ليتم تشييده في المحافظة، مرجحاً البدء بها في الربع الثاني من العام المقبل بعد الحصول على موافقة هيئة الاستثمار الوطنية كونه مشروعاً اتحادياً.
وتحدث الياسري عن أن المشاريع تتضمن إنتاج السيراميك بأنواعه والفلين والزجاج والكرتون، مشيراً إلى الاتفاق مع وزارة التجارية العراقية حول آلية التصدير المقررة بعد إنجازها.
وستتولى الشركات الصينية إنشاء المشروع بتفاصيله كافة، ومن ضمنه إقامة محطة كهربائية بكلفة تبدأ بمليارَي دولار في المرحلة الأولى لتزداد إلى أكثر من 20 مليار دولار بحسب الياسري، الذي أوضح أن الجانب الصيني سيتولى عملية تسويق المنتجات في أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط من خلال منافذ تصديرية وقد يكون منفذ جميمة المقرر إنشاؤه مع الجانب السعودي أحد هذه الممرات في حال اكتماله.
وتمتلك المثنى طريقاً ممهداً أنشئ منذ سبعينيات القرن الماضي يربط بين مدينة السماوة ومنفذ جميمة على الحدود بين العراق والمملكة، الذي يعدّ من أهم الطرق التي نقلت فيها المساعدات السعودية والاستيراد المختلف والشحنات العسكرية إلى القطاعات المعنيّة بالبلاد خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية لكونه الأقرب إلى الموانئ السعودية على البحر الأحمر، وبالإمكان تحويله بعد تأهيله إلى طريق حيوي لنقل المعتمرين الوافدين من آسيا الوسطى وتركيا وإيران براً إلى مكة والمدينة وتصدير منتجات المحافظة عبر الأراضي السعودية.
وتعمل بغداد منذ سنوات عدة على ربط المثنى بالطريق الدولي السريع، الذي يمتدّ من البصرة إلى الرطبة بمحافظة الأنبار البالغ طوله نحو 1000 كلم، عبر طريق فرعي يمتد لـ27 كلم، أُكمل جزء كبير منه وتأخر إنجازه بسبب حرب “داعش” والمشكلات الاقتصادية التي واجهت البلاد بعدها.
وأوضح الياسري أن هناك شركات صينية أخرى أبدت استعدادها لبناء مشاريع في المحافظة ونأمل في نجاح ذلك لاستقطاب شركات أجنبية أخرى، لا سيما بعد استثمارات شركات أجنبية عدة في المحافظة.
فرص للعاطلين من العمل
المخطط الكبير المقرر أن تنفذه الشركات الصينية في المثنى سينعكس بصورة إيجابية على المحافظة التي يعاني سكانها البطالة والفقر، ويأملون في أن تحسّن هذه المشاريع واقعهم المعيشي .بدوره، يوضح محافظ المثنى الأسبق أحمد مرزوك صلال أن المشروع سيعمل على تشغيل آلاف العاطلين من العمل في المحافظة، لافتاً إلى أن اختيار الشركات الصينية للمحافظة يرجع إلى توفر المواد الأولية والبيئة الآمنة.
يضيف أن “الشركات الصينية متخصصة بالصناعات الإنشائية التي يحتاج إليها البلد بشكل كبير وأن المشروع سيؤدي إلى إضافة نوعية في الاقتصاد العراقي والمحافظة بشكل خاص”. وأشار إلى أن الكثير من المهن ستعمل من خلاله بشكل مباشر أو غير مباشر، متوقعاً نجاح الخطة الصينية في البلاد.
عوامل جذب متعددة
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي باسم جميل أنطوان أن اختيار الصين لمنطقة السماوة، مركز محافظة المثنى، يرجع لوجود خامات طبيعية لصناعة المواد الإنشائية، لا سيما السيراميك، متوقعاً أن يكون العراق مركزاً مهماً لهذه المواد في حال تم إكمال مشروع بهذا الحجم.
يضيف أن “بكين تطمح إلى استثمارات في البلاد، لا سيما في ما يخص صناعة المواد الإنشائية، وأن حجم الأموال التي تستثمرها يشير إلى أهمية هذا المشروع، مما سيخلق فرص عمل ممتازة بالمحافظة”. ورجح أن يكون سبب اختيار الصين للمثنى، وجود المواد الأولية ومنها الإسمنت، الذي يعتبر مصدراً مهماً للصناعات الإنشائية فضلاً عن وجود البادية الواسعة للسماوة، مبيناً أن مسألة التسويق مهمة وأن العراق بلد نامٍ وغني ويمتلك عقولاً بشرية وثروات طبيعية مثل الكبريت والفوسفات.