خفض تفشي فيروس كورونا الاستهلاك اليومي من النفط الخام بمقدار الثلث هذا العام، ودفعت الآثار الاقتصادية الناجمة عن الجائحة أسعار النفط لتبلغ أدنى مستوى لها منذ 18عاما.
وحدت زيادة استخدام السيارات الكهربائية، والاتجاه نحو التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة كثيرا من الخبراء، إلى التكهن باقتراب نهاية عصر النفط في البلدان العربية. ورغم أن ذلك قد يمثل نبأ سارا للبيئة، إلا أن تداعياته الاقتصادية على دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد تكون كارثية، ولا سيما أن أغلبها لا يزال يعتمد بشكل كبير على النفط كمصدر رئيسي للطاقة، رغم انفرادها بإمكانيات هائلة فيما يتعلق بإنتاج الطاقة النظيفة. فكيف يبدو مستقبل المنطقة بعد انتهاء عصر النفط؟
نهاية الوقود الأحفوري
يشكل الوقود الأحفوري المصدر الرئيسي لنحو 85 في المئة من إنتاج الطاقة في العالم، لكن جهودا كبيرة تُبذل لتغيير هذه الحال، إذ حفز تنامي الوعي بتداعيات ظاهرة تغير المناخ دول العالم للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، لتستعيض عن الوقود الأحفوري الذي يسهم بثلثي انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري، ويقتل التلوث الناجم عنه أكثر من 4 ملايين شخص سنويا، ناهيك عما تسبب فيه من اضطرابات سياسية واقتصادية عصفت بعدد من الدول النفطية، لاسيما في الشرق الأوسط.
وتتوقع عدة تقارير أن يصبح توليد الطاقة من الشمس والرياح أقل تكلفة، من استخدام مولدات الفحم والغاز بحلول العام 2027، ما يشكل تحديا ضخما لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ورغم ما تمتلكه دول المنطقة من إمكانات هائلة، فيما يتعلق بمصادر الطاقة المتجددة، إلا أن الطريق أمامها لا تزال طويلة، لتخفيض اعتمادها على النفط وخفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، فضلا عن الاعتماد على الطاقة النظيفة، خاصة إذا علمنا أن 80 في المئة من إنتاج الطاقة المتجددة غير المائية قد تركز في أربع دول منها فقط، وأن الطاقة المولدة من مصادر متجددة مثلت 6 في المئة فقط من إجمالي سعة إنتاج الطاقة.
وتضع الصراعات والاضطرابات التي تعتري بعض دول المنطقة تحديات هائلة، على كاهل الحكومات لتنفيذ خططها في هذا الصدد، كما هو الحال في العراق، الذي شهد تظاهرات عدة بسبب تكرار انقطاع التيار الكهربائي، في الوقت الذي تشكل فيه أنظمة النقل المتهالكة والاضطراب السياسيالذي يصعب اجتذاب الاستثمار الأجنبي اللازم لبناء محطات الطاقة المتجددة، تحديا ضخما لخطة الحكومة الطامحة لإنتاج 10 في المئة من الطاقة التي تحتاجها البلاد، بحلول عام 2028.
“تحديات هائلة ومشاريع طموحة”
ورغم قتامة الصورة التي يرسمها ما تقدم من حقائق، تشير إحصاءات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة إلى أن ثمة اتجاها لدى دول المنطقة، نحو تقليل الاعتماد على النفط والاستثمار في الطاقة المتجددة، إذ استثمرت دول الشرق الأوسط 11 مليار دولار أمريكي في مصادر الطاقة المتجددة عام 2016، مقارنة بمليار و200 مليون دولار عام 2008، بزيادة تقترب من تسعة أضعاف خلال ثماني سنوات فقط.
ويتباين مقدار إنتاج الطاقة المتجددة في دول المنطقة، ففي حين بدا بعضها وقد تخلف عن اللحاق بركب الاستثمار في الطاقة النظيفة تحسبا للمستقبل، شرع بعضها الآخر في إعلان هذا التحول التزاما سياسيا، وتدشين عدد من المشاريع الطموحة في هذا الصدد.
وشهد العامان الماضيان بدء تشغيل بعض أضخم محطات الطاقة الشمسية، في عدد من الدول التي تتجه للاستثمار بكثافة في مصادر الطاقة المتجددة، بما في ذلك محطة نور أبوظبي لتوليد الطاقة الشمسية في الإمارات، ومحطة نور ورزازات في المغرب، ومحطة الكريمات في مصر.
وعلى الرغم من إشارة تقرير اللجنة الحكومية الدولية لتغير المناخ، إلى افتقار معظم حكومات دول الشرق الأوسط إلى الإرادة السياسية، للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري بالسرعة اللازمة، إلا أن بعض الدول العربية مثّلت نقاطا مضيئة بهذا الصدد، إذ احتل المغرب المركز الثاني عالميا في قائمة الدول الأفضل في مكافحة التغير المناخي، بحسب دليل الأداء السنوي لتغير المناخ، عبر تمكنه من زيادة حصته من الطاقة المتجددة، خلال السنوات الأخيرة، باتصاله مع أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم، وشبكة من مزارع الرياح الجديدة المتعددة.
أما الإمارات فتسعى للاعتماد على الطاقة النووية، كمصدر للطاقة النظيفة، لإنتاج 20 في المئة من الطاقة في غضون سنتين، كما “تطمح الخطط الحكومية إلى توليد 10 في المئة من إنتاج الطاقة من محطات الطاقة الشمسية بحلول عام 2030، تمهيدا للوصول إلى الاعتماد على الطاقة الشمسية لتوليد 50 في المئة من الإنتاج، بحلول عام 2050، وهو ما يعني أن نسبة الانبعاثات الغازية الدفيئة مرشَّحة للانخفاض”، بحسب ما قاله قيس السويدي، خبير المناخ بقطاع التنمية الخضراء والتغير المناخي في وزارة البيئة الإماراتية.
ويشير السويدي إلى أن “98 في المئة من إنتاج الطاقة الكهربائية في الإمارات يعتمد على الغاز، الذي يعد أقل ضررا لجهة انتاج الانبعاثات الغازية مقارنة بالفحم، يُستخدم 70 في المئة منها لتشغيل محطات التحلية، وربما يكون ذلك سببا رئيسا في ارتفاع نسبة الانبعاثات الغازية، لكن شح المياه يمثل تحديا ضخما لجميع دول المنطقة، ولا سيما دول الخليج”.
وترى الخبيرة الاستراتيجية بمركز المناخ والأمن في واشنطن، شيري غودمان، أن ثمة تقدما كبيرا فيما يتعلق بتقليل الاعتماد على النفط، والاستثمار في تكنولوجيا الطاقة في الدول العربية، لكن البيانات الواردة من وكالة الطاقة الدولية تشير إلى أن 2 في المئة فقط من إنتاج الكهرباء في الشرق الأوسط، عام 2018، جاء من محطات توليد الطاقة المائية والشمسية وطاقة الرياح.
ومع ذلك، تصر غودمان على أن “تحديات التحول للطاقة المتجددة قابلة للمواجهة، لكنها تتطلب العمل بشكل جماعي لتقليل الانبعاثات، وهو ما يتطلب جهدا سياسيا أكبر من ذلك اللازم للاستثمار في تقنيات الطاقة النظيفة والزراعة المستدامة”.
المصدر: بي بي سي