وقّع طرفا النزاع في ليبيا “اتّفاقاً دائماً لوقف إطلاق النار” بـ”مفعول فوري”، بعد محادثات استمرّت خمسة أيّام في جنيف برعاية أمميّة.
بُعيد ذلك، أعلنت “المؤسّسة الوطنيّة للنفط”، المكلّفة إدارة قطاع المحروقات الليبي، رفع “القوّة القاهرة” عن ميناءين رئيسيّين في شرق البلاد واستئناف تصدير النفط منهما بعد تعطّله أشهراً بسبب خلافات بين طرفي النزاع حول طريقة توزيع العوائد الماليّة.
وقالت رئيسة بعثة الأمم المتّحدة للدعم في ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز إنّه “يوم جميل للشعب الليبي”. أضافت “عند الساعة 11,15 (09,15 ت غ) من صباح اليوم في مقرّ الأمم المتحدة في جنيف، قام الوفدان الليبيّان، بتوقيع اتّفاق لوقف إطلاق النار، كامل ووطني ودائم بمفعول فوري”.
ووصفت البعثة الاتّفاق بـ”الإنجاز التاريخي”، وحيّت “توصّل الفرقاء الليبيّين إلى اتّفاق دائم لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء ليبيا”.
ورأت أنّ هذا “الإنجاز يشكّل نقطة تحوّل هامّة نحو تحقيق السلام والاستقرار في ليبيا”.
وبثّت البعثة مباشرةً على صفحتها حفلَ التوقيع الذي استمرّ عشر دقائق وأعقبه تصفيق. وجرت المراسم في مقرّ الأمم المتحدة في جنيف.
وأكّد رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبيّة فايز السراج في بين أنّ الاتّفاق “على وقف إطلاق نار دائم يحقن الدماء ويرفع المعاناة عن المواطنين ويمهّد الطريق لنجاح المسارات الأخرى الاقتصادية والسياسية”.
وأشاد “بدور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في الوصول إلى هذا الاتّفاق، ونقدّر مساعيها المتواصلة لتحقيق السلام في ليبيا، السلام القائم على العدل والمتمركز على ضمانات تُبعد شبح الحرب والقلاقل عن بلادنا”.
انزلقت ليبيا في الفوضى منذ أطاحت انتفاضة دعمها حلف شمال الأطلسي، الزعيمَ السابق معمّر القذافي وأدّت إلى مقتله في 2011.
وتشهد البلاد صراعاً على السلطة بين حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة ومقرّها طرابلس من جهة، وسلطة في شرق البلاد يجسّدها المشير خليفة حفتر المدعوم من جزء من البرلمان المنتخب ورئيسه عقيلة صالح.
ويتلقّى الطرفان دعماً من دول مختلفة. فحفتر مدعوم من مصر وروسيا والإمارات العربية المتحدة، بينما يتلقّى السرّاج دعماً من تركيا.
ومنذ إعلان الطرفين المتحاربين في ليبيا وقف الأعمال العدائية في آب/أغسطس الماضي، تسارعت المفاوضات في الأسابيع الأخيرة لتحديد شروط وقف دائم للنار.
– رحيل المرتزقة –
وقالت وليامز لوسائل الإعلام إنّه “اتّفاق وطني وشامل ودائم وأثره فوري”. وأضافت أنّ وقف إطلاق النار يُفترض أن يُرافقه خروج “المرتزقة والمقاتلين الأجانب (…) من ليبيا خلال فترة أقصاها ثلاثة أشهر اعتباراً من اليوم”.
وأردفت أنّ الجانبين اتّفقا على أنّ “كلّ الوحدات العسكريّة والجماعات المسلّحة الموجودة على الخطوط الأماميّة ستعود إلى ثكناتها”.
واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الجمعة من نيويورك، أنّ اتفاق وقف النار “خطوة أساسية نحو السلام والاستقرار” في ليبيا.
ودعا جميع الأطراف الإقليميّين “إلى احترام أحكام اتّفاق وقف النار وضمان تطبيقه دون تأخير”، مشيراً إلى ضرورة احترام حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا المفروض منذ 2011.
وبين نيسان/أبريل 2019 وحزيران/يونيو 2020، حاول حفتر احتلال طرابلس لكنه لم ينجح. وأدّت المواجهات إلى سقوط مئات القتلى وأجبرت عشرات الآلاف على الفرار.
وبالنسبة إلى السكّان المنهكين من القتال والانقسامات، يشكّل وقف النار الدائم بصيص أمل.
ورأى المحلّل السياسي الليبي محمد الجارح عبر تويتر أنّ وقف النار سيشكّل “دفعاً للجهود السياسيّة والدبلوماسيّة الجارية”، ولا سيّما منتدى الحوار السياسي الذي سينعقد في تونس مطلع تشرين الثاني/نوفمبر.
وأضاف أنّ إعادة بناء الثقة المتبادلة “مهمّة بشكل خاصّ، بما في ذلك إعادة فتح الطرق والمطارات ومحطات النفط وتبادل الأسرى”.
وشدّد على أنّه “رغم أنّ توقيع اتّفاق وقف إطلاق النار اليوم يعدّ خطوة مهمة، إلا أنّ الشيطان يكمن في التفاصيل (…) الشيطان في التنفيذ”.
وأشار إلى “فاعلين داخليّين وأجانب يرون أنّ وقف إطلاق النار هذا والاتفاقات السياسية التي ستنجم عنه، خطر على نفوذهم”.
ورحّبت جامعة الدول العربيّة باتّفاق وقف النار الدائم في ليبيا، ووصفته بـ”الإنجاز الوطني الكبير”.
ورحّبت إيطاليا، القوة الاستعمارية السابقة في ليبيا، بتوقيع الاتّفاق. وقالت في بيان لوزارة الخارجيّة إنّ الاتّفاق “نقطة تحوّل ذات أهمية محوريّة لاستقرار ليبيا”.
ورحّب الاتحاد الأوروبي بإعلان وقف النار في ليبيا. وقال المتحدث باسمه بيتر ستانو إنّ “اتفاق وقف النار بشكل دائم أساسيّ لاستئناف الحوار السياسي”، مؤكّداً أنّ “من المهم جدّاً كذلك أن يُطبّق هذا الاتّفاق”.
بدورها، رحّبت الولايات المتحدة بالاتّفاق، حاضّةً “الجهات الفاعلة الداخليّة والخارجيّة الآن على دعم تنفيذ الاتّفاق بحسن نيّة”.
وعبّرت قطر عن ترحيبها بوقف النار، قائلةً إنّها تأمل في “أن يصمد هذا الاتّفاق وتتمّ المحافظة عليه”.
وقالت السعودية إنّها تتطلّع لأن “يمهّد الاتّفاق الطريق لإنجاح التفاهمات الخاصّة بالمسارين السياسي والاقتصادي”.
ووصفت ألمانيا التي تسعى بقوّة لإيجاد تسوية سياسية للنزاع في ليبيا، الاتّفاق بأنّه “أوّل نجاح حاسم” في ذلك الاتّجاه.
ورحّبت باريس الجمعة بتوقيع اتّفاق وقف إطلاق نار دائم في ليبيا، معتبرةً أنّه “يُظهر تطلّع جميع الليبيّين إلى السيادة في مواجهة التدخّلات الخارجيّة”.
وقال وزير الخارجيّة البريطاني دومينيك راب في تغريدة، إنّ ما حصل “خطوة مهمّة”، داعياً إلى دعم جهود بعثة الأمم المتحدة “لإيجاد حلّ سلمي ودائم للنزاع”.
– تشكيك تركي –
لكنّ الرئيس التركي رجب طيّب إردوغان شكّك في “صدقيّة” وقف إطلاق نار “دائم”.
وقال إردوغان الداعم لحكومة الوفاق الوطني الموقّعة على الاتّفاق، إنّ “اتّفاق وقف النار اليوم لم يتمّ في الحقيقة بأعلى المستويات، بل بمستوى أقلّ. سيكون تحديد إنْ كان سيدوم مسألة وقت”. وأضاف “يبدو لي أنّه يفتقد إلى الصدقية”.
وقارن إردوغان بين وقف إطلاق النار المعلن في ليبيا واتفاقات مماثلة أعلِنت بين أذربيجان وأرمينيا في ناغورني قره باغ في الأسابيع الأخيرة، لكنّها انتُهِكت.
وقال “تمّ إعلان وقف للنار بين أرمينيا وأذربيجان. هل التزم الأرمن وعدهم؟ لا. آمل في ألا يكون (مصير هذا الاتّفاق) مماثلاً، وأن يتمّ احترام وقف إطلاق النار”.