في أقصى جنوب العالم وبالتحديد في مدينة كيب تاون الجنوب أفريقية حيث يلتقي المحيطان الهندي والأطلنطي، تأسس مَعْلَم يستذكر القضية الفلسطينية ويقدم معاناة شعبها لشعب آخر عاش تجربة الفصل العنصري وناضل ضد نظام الأبارتهايد.
توفي أول أمس الاثنين مؤسس ذلك المَعْلَم رجل الأعمال، الناشط المجتمعي الجنوب أفريقي أنواه ناجيه بعد صراع مع فيروس كورونا.
وكان أنواه ناجيه “62 عاما” قد أسس وأدار متحف فلسطين في مدينة كيب تاون لدعم فلسطين ومناهضة الاحتلال قبل عدة سنوات، وحارب قضائيا التجمعات الصهيونية المؤثرة في جنوب أفريقيا التي حاولت جاهدة منع إكمال المشروع ونجح مؤخرا في كسب المعركة القضائية لصالح إكمال بناء المتحف.
وفي حديث للجزيرة نت مع الدكتور ناجيه السنة الماضية كان قد أكد أن “سكان جنوب أفريقيا عامة وأهل حي البوكاب خاصة عرفوا معنى التفرقة على أساس اللون والدين والعرق، ومن هنا شبهوا ممارسات نظام الفصل العنصري ضدهم بممارسات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين”.
ذاكرة فلسطينية من جنوب أفريقيا
ويعد متحف فلسطين أول مركز حقوق إنسان في قارة أفريقيا، حيث كان الدكتور ناجيه قد أشار إلى وجود لجان حقوق إنسان عالمية، إلا أن هذا المتحف هو الأول كمركز متكامل على حد وصفه، موضحا أن الدور الذي يلعبه المركز هو إنشاء ألبوم لذاكرة التاريخ من الانتهاكات التي يتعرض لها البشر في بلدان مختلفة، وتضمينها رسائل تضامن وتأييد لحقوق الإنسان، خصوصا في فلسطين.
وكان الدكتور أنواه ناجيه إلى جانب عمله الخيري، رجل أعمال يحظى باحترام كبير، حيث ترأس مجلس إدارة عدة شركات استثمارية بجنوب أفريقيا.
وفي قطاع المنظمات غير الحكومية، شغل الدكتور ناجيه منصب رئيس مؤسسة المستضيفين، التي تملك واحدا من أكبر برامج الإغاثة والتغذية في البلاد.
وذكر قاضي محكمة ويسترن كيب العليا، سراج ديساي، أن الدكتور ناجيه قد انخرط في المنظمات المجتمعية والعمل الإنساني في جنوب أفريقيا إضافة إلى قضية فلسطين منذ فجر الديمقراطية، وكان السبب المحرك وراء دعم الكثيرين أمثاله من جنوب أفريقيا لقضية فلسطين.
وأكد ديساي -صديق الدكتور ناجيه- في حديثه للجزيرة نت، أنه على معرفة به منذ 43 عاما، وشاركه الرؤية للمجتمع الذي أراداه في جنوب أفريقيا خاليا من العنصرية ومساويا بين الجميع، مضيفا أن فلسطين كانت حاضرة منذ البداية في ذلك الوقت بقلب الدكتور ناجيه.
وأشار القاضي ديساي، إلى أن ناجيه لم يكن فقيرا إلا أنه كان في غاية التواضع خصوصا حينما يتعلق الموضوع بالفقراء في منطقته أو بموضوع له علاقة بالفلسطينيين ودعم فلسطين.
خدمة القضايا العاجلة
وقال رشيد عمر، الباحث في الدراسات الإسلامية وبناء السلام وإمام مسجد كليرمونت في كيب تاون، إن الدكتور ناجيه كان دائما على استعداد للمشاركة ومساعدة من هم أقل حظا بغض النظر عن لونهم وديانتهم وتوجهاتهم، مضيفا أن العطاء الذي قدمه كان خاليا من أية أهداف ورغبات غير إسعاد الناس.
وأكد عمر للجزيرة نت، أنه عرف ناجيه خلال تأسيس منظمة مجتمعية لدعم الفقراء الذين أخلوا من منازلهم قسرا خلال فترة نظام الفصل العنصري قبل 25 عاما.
وأضاف أن علاقتهما توطدت أكثر بسبب شغفه بحرية شعب فلسطين، مشيرا إلى أن هذا هو الإرث الذي سيتركه ناجيه من الحياة.
ويذكر أن آخر مرة ظهر فيها ناجيه في عمل إنساني كانت في وقت سابق من هذا العام، حينما كانت المنظمات غير الحكومية تحاول المساعدة في مكافحة فيروس كورونا.
وكان الدكتور ناجيه قد عمل على توزيع أكثر من 4 ملايين كمامة طبية في بداية جائحة كورونا على المجتمعات الفقيرة في مناطق الكيب فلات على نفقته الخاصة.
وحصل الدكتور ناجيه على درجة الدكتوراه الفخرية، تقديرا للعمل الذي قام به في خدمة المجتمع.
صوت مجتمع الكيب الإسلامي
وأشار محمد جرونوالد -صديق الدكتور ناجيه ورفيقه في حملة دعم فلسطين- إلى أن أنواه ناجيه لم يكن -مثل الكثيرين- ناشطا مؤقتا فقط عند حدوث مشكلة وهجوم في فلسطين من قبل الاحتلال الإسرائيلي، بل كان ناشطا دائما لنصرة كل القضايا العادلة داخليا وخارجيا خصوصا قضية فلسطين.
وذكر جرونوالد أنه من الأفضل أن نتذكر الدكتور ناجيه على أنه مناضل لا يتزعزع، وصاحب عاطفة ثابتة من أجل القضية الفلسطينية، مشيرا إلى أنه قد شارك في العديد من الحملات ومشاريع التضامن مع فلسطين والتي هدفت إلى استعادة كرامة المجتمعات المحرومة، مؤكدا أن ناجيه كان رائدا في عملية تعويض أهالي المنطقة السادسة في كيب تاون الذين أخلوا من منازلهم، حيث قاد صندوق المنطقة السادسة للمستفيدين وإعادة التطوير لعقود، بحسب ما أشار إليه.
وكانت نائبة الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، جيسي دوارتي، قد أعربت عن تعازيها قائلة إن جنوب أفريقيا فقدت ناشطا مجتمعيا وقائدا مخلصا.
وأشارت دوارتي إلى أن ناجيه كان جزءا من “سلالة أبطال النضال” الذين لم تتأثر مبادئهم في النضال من أجل العدالة الاجتماعية، مضيفة أنه مثل بكل الطرق وجهات نظر المهمشين في جنوب أفريقيا خلال النضال ضد الفصل العنصري في البلاد وفي فلسطين.