بمدخل مدينة برج بوعريريج 300 كلم شرق العاصمة الجزائرية، ينصب الكاتب والإعلامي المعروف، عبد الرّزاق بوكبة، طاولة الخضار التي اختارها كمشروع تجاري تصب عائداته اليومية لتمويل مولوده الثقافي الجديد “جمعية فسيلة للإبداع الثقافي”.
غير آبه بكثرة الإلحاح الذي يرى في اختياره لطاولة الخضار تلك “تمردا غير مدروس على واقعه كروائي وإعلامي”، يضع بوكبة دفترا وقلما على مقعده، يعود إليهما كلما فرغ من طلبات الزبائن الذين أصبحوا يقصدون المكان للالتقاء بالكاتب الذي ظل متمسكا بمسقط رأسه.
استقلالية التمويل
يقول صاحب الـ14 مؤلفا في تصريحه للجزيرة نت “لقد رأيت أن طاولة الخضار منسجمة مع طبيعة مشروعنا الشعبي والتطوعي، فهي تُعد في المخيال الشعبي الجزائري رمزا للاعتماد على النفس وتحصيل القوت اليومي بشرف”.
ويواصل الكاتب الحاصل على عديد الجوائز على غرار “بيروت 39″ و”درع الريادة العربية” والمشرف على إطلاق خمس جوائز أدبية في بلاده، قائلا “بات ملحا أن نتحرك في سياق تغيير واقع فرضته ظروف معينة أبعدت الإنسان عن عقله وجعلته عبدا لبطنه”.
يتقدم الوافدون صوب طاولة الكاتب، يخوضون معه في الأسئلة التي لم يعتادوا الخوض فيها وهم يقتنون حاجياتهم اليومية عادة، يسألونه عن مشروعه الثقافي، ويتفاعلون مع بائع “الخضار المثقف”، حتى وصف أحدهم المشروع بـ “طاولة محو الأمية”.
ويضيف بوكبة “أردت من خلال المشروع القول إن ثمة من يسخّر التجارة في مواد تخص البطون لتمويل مشاريع تخص العقول، في ظل انتشار ظاهرة تحويل الفضاءات الخاصة بالكتاب إلى فضاءات خاصة بالأطعمة خضوعا للنزعة الاستهلاكية للمجتمع”.
يكتب بوكبة في دفتره الذي يتفرغ له بين زبون وآخر، صفحات عمله الروائي الذي سينقل تجربته الجديدة التي يخوضها، ويضع ملف الجمعية الثقافية التي أنشأها مؤخرا عن يمينه ويكتب ما قد تسده مداخيل اليوم من حاجيات “فسيلة”، ويتصل بأحد أعضاء الجمعية ليبلغه بحل المشكل.
“انتقام” من الوزارة
يعتقد الكثير من متابعي الكاتب عبد الرّزاق بوكبة، أن اختياره لهذا الحل لتمويل مشروعه الثقافي هو “انتقام من وزارة الثقافة”، في حين يرد هو بالقول “الفعل الثقافي الذي نتبناه أبعد ما يكون عن الانتقام”.
ويتابع “سنقدم ملفا لوزارة الثقافة لتمويل المشروع ولكن باعتبار أن نشاطنا قد بدأ فعليا وبما أن أعضاء جمعية “فسيلة” يقضون معظم وقتهم خارج منازلهم لتحريكه، لذلك يستحيل أن يتماشى نسقنا السريع جدا مع نسق الإجراءات الرسمية البطيئة التي نتمنى أن تتسارع في قادم الأيام”.
وعن الإحراج الذي يراه البعض في ممارسة كاتب وإعلامي لبيع الخضروات على طاولة، يقول بوكبة “المثقف الذي لا يواجه الشارع ويبقى مختبئا خلف الشاشات ليطلق الأحكام الجاهزة والمعلبة، هو من عليه أن يخجل”.
ويواصل “الذي يحظى -في القطاع الحكومي- براتب شهري ثابت وامتيازات داخل وخارج القانون من غير أن يكون له أثر ملموس في الميدان، هو من يجب أن يخجل أما طاولة الخضار فهي مدعاة لإحساسي بالفخر”.
ويعتبر عبد الرزاق بوكبة أن طاولة الخضروات تلك جعلته “جديرا بلقب الناشط الثقافي الذي يؤمن بالجدوى لا بالشكوى”، قائلا “قد تتوقف طاولة الخضار مؤقتا وقد تتعثر وقد تتطور إلى أفق مختلفة، لكنها تبقى فكرة ونمط تفكير واحتجاج”.
وختم بأن “على النخبة أن تنتشل نفسها من هذا الوضع بالبحث عن مصادر إضافية أو بديلة نهائيا للتمويل، لأنه من المخزي لنا ألا نتوفر على مشروع ثقافي واحد يشتغل بعيدا عن الدعم الحكومي ويقدم الضريبة للخزينة العمومية عوضا عن امتصاصه لها”.