اتفقت تركيا وروسيا خلال مشاوراتٍ مشتركة، على التزامهما الثابت بسيادة ليبيا واستقلالها ووحدة أراضيها ومقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، معربين عن قناعتهما بأنه لا حل عسكرياً للنزاع في ليبيا ولا يمكن تسويته إلا من خلال عملية سياسية يقودها الليبيون أنفسهم تحت إشراف الأمم المتحدة.
تركيا وروسيا أجرتا مشاورات رفيعة المستوى بشأن ليبيا، توجت بالاتفاق على مواصلة الجهود المشتركة لتهدئة الوضع وبتجديد التزام الطرفين بسيادة البلاد ووحدة أراضيها.
وأسفرت المشاورات عن عدة نقاط اتفقا عليها الطرفين، منها مواصلة الجهود المشتركة، بما يشمل ممارسة الضغط على أطراف النزاع، بهدف تهيئة الظروف الملائمة لإحلال وقف طويل الأمد ومستدام لإطلاق النار في ليبيا، إلى جانب الإسهام في دفع الحوار السياسي الليبي – الليبي إلى الأمام، بالتوافق مع مخرجات مؤتمر برلين وبالتنسيق مع الأمم المتحدة.
كما اتف الطرفان، على دعوة أطراف النزاع إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة بغية ضمان الوصول الإنساني الآمن وتقديم المساعدات العاجلة إلى جميع المحتاجين، والنظر في إنشاء مجموعة عمل تركية – روسية مشتركة بشأن ليبيا، وإجراء جولة جديدة من المشاورات في موسكو بأقرب وقت.
وذكّر بيان مشترك، بالمبادرة التي تقدم بها الرئيسان، التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، في اسطنبول، في الثامن من كانون الثاني الماضي، بهدف خفض التصعيد على الأرض ودفع العملية السياسية إلى الأمام في ليبيا.
يذكر أنه ووفق البيان، شددت كل من روسيا وتركيا على ضرورة مكافحة “الإرهاب” والتنظيمات “الإرهابية” في الأراضي الليبية وفقا لتصنيف مجلس الأمن الدولي، مؤكدتين عزمهما على مواصلة التعاون الثنائي بهدف تحقيق الأمن والاستقرار وتحسين الوضع الإنساني في البلاد.
وفي السياق الليبي، أعلن البرلمان المصري، الاثنين الماضي، في جلسة سرية تفويضه وموافقته على تدخل القوات المسلحة المصرية لحماية الأمن القومي المصري على خلفية الأوضاع في ليبيا.
الجلسة السرية جاءت بناءً على طلب مجلس الدفاع بالموافقة على التدخل العسكري المصري في ليبيا، حيث كان البرلمان المصري قد قرر، عقد جلسة سرية بطلب من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بدون حضور.
وسبق أن أعلن السيسي، أثناء استقباله الخميس الماضي وفداً من مشايخ وأعيان القيادات القبلية الليبية عن نيته طلب موافقة البرلمان على إرسال قوات إلى هذا البلد، مشدداً على أن الحملة المحتملة ستحمل طابعا دفاعيا حصرا.
وفي الوقت الذي تتزايد فيه مخاطر التنافس الإقليمي والحرب بالوكالة في ليبيا، بين تركيا من جهة والإمارات ومصر من جهة أخرى، جدد الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، استعداد بلاده للقيام بالتدخل العسكري المباشر تلبية لطلب قادة القبائل الليبية، بغية دعم حليفه الاستراتيجي الجنرال خليفة حفتر، في مواجهة الحكومة المعترف بها دولياً، برئاسة فائز السراج.
وخلال اجتماعه مع وفد من قادة القبائل الليبية في العاصمة المصرية القاهرة، الأسبوع الفائت، قال السيسي إن بلاده لن تدخل ليبيا إلا بطلب من القبائل ولن نخرج إلا بأمر منها، مبيناً أن القوات المصرية ستدخل تحت قيادة القبائل الليبية والعلم الليبي.
وفي وقت لاحق، أصدرت الرئاسة المصرية بياناً نقلت عن مشايخ القبائل الليبية إعرابهم عن كامل تفويضهم للسيسي والقوات المسلحة المصرية “للتدخل لحماية السيادة الليبية”.
وفي السياق، أعلن رئيس المجلس الأعلى لمشايخ وأعيان القبائل الليبية إن القبائل طالبت السيسي بتدخل الجيش المصري حال شن الهجوم على سرت قائلاً: “إذا تمادت تركيا والميليشيات في التدخل في الشأن الليبي فسيتدخل الجانب المصري”.
وفي حزيران الماضي، قال السيسي، خلال تفقده قاعدة عسكرية متاخمة لليبيا، إن “تجاوز سرت والجفرة خط أحمر”، في تصريح اعتبرته الحكومة الليبية المعترف بها دولياً، برئاسة فائز السراج “إعلان حرب” و”تعديا على سيادة ليبيا”.
وألمح السيسي، آنذاك، إلى إمكانية تنفيذ جيش بلاده “مهام عسكرية خارجية إذا تطلب الأمر ذلك”، مبيناً أن أي “تدخل مباشر في ليبيا باتت تتوفر له الشرعية الدولية”.
ومع تصاعد العمليات العسكرية بين أطراف النزاع الليبي المدعومة من دول مختلفة، رهن وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو في وقت سابق، وقف إطلاق النار بانسحاب قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر من مناطق في وسط وغرب ليبيا، الغارقة في الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011.
وفي مقابلة سابقة مع صحيفة فاينانشيال تايمز، قال جاووش أوغلو إن قوات حكومة الوفاق الوطني المدعومة من أنقرة والتي تتخذ من العاصمة طرابلس مقراً لها، مصرة على استئناف هجومها ضد قوات حفتر إذا لم تنسحب الأخيرة من سرت الساحلية استراتيجية وقاعدة الجفرة التي يوجد فيها أكبر نظام دفاع جوي في البلاد.
وبدعم من تركيا، سجلت القوات الموالية لحكومة الوفاق تقدماً كبيراً خلال شهر حزيران الماضي حيث استعادت السيطرة على الشمال الغربي وطردت القوات الموالية لحفتر التي كانت شنّت هجومها للسيطرة على طرابلس في نيسان 2019.
وفي 27 تشرين الثاني 2019، وقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس المجلس الرئاسي للحكومة الليبية فائز السراج، مذكرتي تفاهم حول التعاون الأمني والعسكري وترسيم الحدود البحرية بين البلدين في البحر الأبيض المتوسط.
واندلعت الحرب عندما قام الجنرال حفتر -الذي يسيطر على شرق ليبيا منذ عام 2015- بشن هجوم في نيسان 2019 للإطاحة بحكومة الوفاق التي تدعمها الأمم المتحدة، وظلت العاصمة تحت الحصار لأشهر، حيث حصل حفتر على دعم عسكري من الإمارات العربية المتحدة ومصر وروسيا، وعلى دعم سياسي من فرنسا.
وتشهد ليبيا تصعيدا للنزاع الداخلي المستمر منذ العام 2011 وسط زيادة التوتر بين الأطراف الخارجية المنخرطة في الأزمة الليبية، حيث سبق أن أعلن السيسي، الذي يعتبر داعما لقائد “الجيش الوطني الليبي” خليفة حفتر، عن إمكانية تدخل مصر العسكري في ليبيا وسط تعزيز الوجود التركي الداعم لحكومة الوفاق الوطني، التي تستعد بدورها لشن هجوم لاستعادة السيطرة على مدينة سرت.