أصبحت شجرة الزيتون رمزا حديثا للوطنية الفلسطينية، بحملها دلالة الصمود والبقاء، وبالإضافة لأهميتها الاقتصادية للمجتمع الفلسطيني المعاصر ارتبطت رمزيتها الثقافية بتاريخ طويل مع المجتمع الذي شهد تقلص أراضيه التاريخية على مدار القرن العشرين.
وفي ذكرى النكبة الفلسطينية 15 مايو/أيار 1948 نشر موقع ميدل إيست آي البريطاني تقريرا يتذكر فيه الناجون من النكبة الصراع الريفي في فلسطين في عهد الانتداب البريطاني الذي امتد أكثر من عقدين ونصف بدءا بعام 1920.
وحالت جائحة كورونا دون إحياء فعاليات الذكرى 72 للنكبة، وفي الداخل الفلسطيني غابت مشاهد العودة للقرى والمدن المهجرة لأول مرة منذ 23 عاما، لتتحول المشاهد والمسيرات إلى رقمية في العالم الافتراضي، وتجمع لأول مرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي الشعب الفلسطيني بالشتات والمهجر وداخل الوطن.
الزراعة والأرض
كانت الزراعة محورية للمجتمع الفلسطيني قبل قيام دولة إسرائيل، كان صغار المزارعين، المعروفين باسم الفلاحين، أساس المجتمع الفلسطيني في ذلك الوقت، وكان ثلاثة أرباع السكان يعيشون في المناطق الريفية والزراعة المصدر الرئيسي لكسب الرزق، حيث تجتمع العائلات للعمل في الحقول، بحسب تقرير الصحفي الفلسطيني فريد طعم الله.
ومع وعد بلفور عام 1917، تعهدت الحكومة البريطانية بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، واتبعت سياسات من شأنها تحقيق هذا الوعد الذي جاء على حساب الفلسطينيين المرتبطين بأرضهم.
الآن، بعد 72 عاما من قيام “دولة إسرائيل” والنزوح الجماعي لمئات الآلاف من الفلسطينيين من أراضيهم، يشارك الناجون من النكبة ذكرياتهم عن الأرواح والأراضي التي فقدوها، والتي يحافظون على ارتباط عميق بها.
واعتاد الفلسطينيون في 15 مايو/أيار من كل عام على إحياء ذكرى ضياع وطنهم وقيام إسرائيل على أنقاضه. وكانت الأنشطة التي يجري تنظيمها في الضفة الغربية وغزة وأراضي 48، وفي أماكن انتشار اللاجئين، تركز على إنعاش الذاكرة وتنوير الجيل الجديد بأحداث النكبة ومعانيها.
وشاركت شكرية عثمان (86 عاما) مع موقع ميدل إيست آي ذكريات عن قريتها لفتا غربي القدس، التي خلت من سكانها الأصليين الذين هجروا عام 1948.
تقول شكرية للموقع البريطاني “قبل النكبة عملنا بجد، لكننا كنا سعداء. كان كل شيء متاحا. زرعنا الكوسا والقرنبيط والطماطم والقمح والشعير والعدس والذرة. كان لدينا أشجار زيتون وخوخ ولوز. وبعنا فائض الإنتاج للمدن مما سمح للقرية بتغطية احتياجاتها من السلع الأخرى”.
وعلى مقربة من القرية، كانت ينابيع المياه العذبة المعروفة باسم عين لفتا، ولكن وفقا لشكرية التي تعيش الآن في مخيم قدورة للاجئين في وسط الضفة الغربية، بنى اليهود المقيمون في مكان قريب جدارا لمنع الفلسطينيين من الوصول للمياه أثناء سباحتهم فيها.
وقالت إن الاكتفاء الذاتي للقرى كان مبدأ أساسيا طوال سنوات الانتداب، خاصة خلال الإضراب العام لمدة ستة أشهر في عام 1936، الذي اعترض خلاله الفلسطينيون على المعاملة التفضيلية البريطانية للسكان اليهود المهاجرين الذين نمت أعدادهم سريعا.
كانت الهجرة اليهودية إلى فلسطين مصدرا للتوترات بين السلطات البريطانية والفلسطينيين، خاصة فيما يتعلق بنقل الأراضي الفلسطينية إلى الجالية اليهودية، سواء من خلال عمليات التسليم من جانب واحد أو من خلال تهيئة الظروف التي تسهل الاستيلاء على الأراضي أو شراء الأراضي من الملاك الإقطاعيين غير الفلسطينيين.
وخلال سنوات الانتداب، سنت السلطات البريطانية تشريعات تمكن من مصادرة الأراضي الفلسطينية للأغراض العسكرية، وهي الأراضي التي تم تسليمها بعد ذلك إلى السكان اليهود.
الحرب الاقتصادية
وبموجب الانتداب البريطاني، تمت عمليات نقل الأراضي إلى جانب الاستهداف المتعمد للزراعة الفلسطينية، التي تعد رابطا رئيسيا يربط الفلسطينيين بأرضهم.
وخلال الحرب العالمية الأولى، كانت فلسطين موقعا لمعارك كبرى. وترك أثر الحرب إلى جانب الأوبئة ونقص الغذاء، الفلسطينيين في وضع صعب وهم يكافحون من أجل تلبية احتياجاتهم الأساسية، بحسب تعبير فريد طعم الله، وهو صحفي فلسطيني يعيش في رام الله، ومزارع وناشط بيئي.
مع وصول البريطانيين، وجد الفلسطينيون أنفسهم مضطرين لبيع خشب أشجار الزيتون لقوات الاحتلال الجديدة مقابل الإمدادات الأساسية مثل الخبز والأرز، وهكذا جرى تداول تراث العائلة من أجل البقاء، ولكن علاقات الناس بالأرض ظلت حاسمة للخروج من الأزمة.
كتب المؤلف نبيل علقم يقول “بعد سنوات قليلة من انتهاء الحرب، انتهت أزمات الغذاء والإمداد بفضل جهود ومرونة المزارعين الذين عادوا إلى مزارعهم ورعاية ماشيتهم”.
لكن سلطات الانتداب سعت إلى تحويل النظام الاقتصادي القائم في فلسطين على الزراعة التقليدية إلى اقتصاد رأسمالي.
استفاد النظام الاقتصادي الجديد إلى حد كبير من استثمار رأس المال من قبل المهاجرين الجدد، وكذلك القيادة الفلسطينية التقليدية من الطبقة العليا التي وجدت فرصة لزيادة ثروتها.
وهكذا ترك العديد من الفلاحين الزراعة من أجل البحث عن عمل في مدن مثل حيفا ويافا، ووفر هذا العمل الجديد دخلا جيدا لعائلاتهم، ولكنه جعلهم يعتمدون على البريطانيين.
وجد العديد من الفلسطينيين عملا في المزارع و”المخيمات” البريطانية، أو انضموا إلى قوات الأمن أو قطاع البناء.
وفي الوقت نفسه، أصبحت الضرائب أيضا عبئا ثقيلا على المزارعين، وتلاعبت السلطات البريطانية بنشاط العرض والطلب، بما في ذلك استيراد المحاصيل بأسعار أقل ومنع المزارعين من زراعة المحاصيل عالية الدخل.
وذكر عمر عمارة (87 عاما) كيف أنتج القرويون في مسقط رأسه ميسكا، شرق يافا، كميات فائضة من القمح، “ومع ذلك، لم نتمكن من بيعه لأن البريطانيين استوردوا قمحا أرخص من أستراليا”.
كما شارك عمارة، الذي يعيش الآن في مخيم طولكرم للاجئين، ذكرياته المريرة مستذكرا ما جرى عندما أبلغت السلطات البريطانية سكان ميسكا أنها ستساعد في تصدير فائض البطيخ إلى مصر.
“بالفعل وصل القطار. وقام المزارعون بتحميله بالبطيخ وغادروا. وطوال أشهر، طالب الفلاحون بأموالهم مقابل البطيخ، لكن السلطات استمرت في التأجيل. ولم يدفعوا المال أبدا، مدعين أن حمولة القطار قد نهبت”.
التهجير الكبير
ووفق معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن قرابة 800 ﺃﻟﻑ ﻓﻠﺴﻁﻴﻨﻲ، من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في الأراضي المحتلة عام 1948، هجّروا ﻤﻥ ﻗﺭﺍﻫﻡ ﻭﻤﺩﻨﻬﻡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻀﻔﺔ ﺍﻟﻐﺭﺒﻴﺔ ﻭﻗﻁﺎﻉ ﻏﺯﺓ ﻭﺍﻟﺩﻭل ﺍﻟﻌﺭﺒﻴﺔ ﺍﻟﻤﺠﺎﻭﺭﺓ، وآلاف آخرون هجّروا لكنهم بقوا ﺩﺍﺨل ﻨﻁﺎﻕ ﺍﻷﺭﺍﻀﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺨﻀﻌﺕ ﻟﺴﻴﻁﺭﺓ ﺇﺴﺭﺍﺌﻴل.
ووفق المصدر نفسه، ﻴﻌﻴﺵ اليوم ﺤﻭﺍﻟﻲ 11.8 ﻤﻠﻴﻭﻥ ﻨﺴﻤﺔ ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻁﻴﻥ ﺍﻟﺘﺎﺭﻴﺨﻴﺔ (فلسطينيين ويهود) ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺒﻠﻎ ﻤﺴﺎﺤﺘﻬﺎ ﺤﻭﺍﻟﻲ 27 ألف كيلومتر مربع. ﻭﻴﺸﻜل ﺍﻟﻴﻬﻭﺩ منهم ﻤﺎ ﻨﺴﺒﺘﻪ 51% ﻤﻥ ﻤﺠﻤﻭﻉ ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ ﻭﻴﺴﺘﻐﻠﻭﻥ ﺃﻜﺜﺭ ﻤﻥ 85% ﻤﻥ ﺍﻟﻤﺴﺎﺤﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻟﻸﺭض.
70 مجزرة
واقترفت العصابات الصهيونية خلال النكبة ﺃﻜﺜﺭ ﻤﻥ 70 ﻤﺠﺯﺭﺓ ﺒﺤﻕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻁﻴﻨﻴﻴﻥ، واستشهد ﻤﺎ ﻴﺯﻴﺩ ﻋلى 15 ﺃﻟﻑ ﻓﻠﺴﻁﻴﻨﻲ.
وكان الفلسطينيون قبل النكبة يقيمون في 1300 ﻗﺭﻴﺔ ﻭﻤﺩﻴﻨﺔ في فلسطين التاريخية، ﺴﻴﻁﺭ الاحتلال خلال ﺍﻟﻨﻜﺒﺔ ﻋﻠﻰ 774 ﻗﺭﻴﺔ ﻭﻤﺩﻴﻨﺔ، منها 531 دمرت بالكامل.
وبعد أن كان عددهم يقدر بنحو 1.4 مليون نسمة إبان النكبة، يتجاوز عددهم اليوم 13 مليون نسمة، منهم حوالي 5 ملايين ﻨﺴﻤﺔ يقيمون في فلسطين التاريخية.
ﻭﺘﻅﻬﺭ ﺍﻟﻤﻌﻁﻴﺎﺕ ﺍﻹﺤﺼﺎﺌﻴﺔ ﺃﻥ ﻨﺴﺒﺔ ﺍﻟﻼﺠﺌﻴﻥ ﺍﻟﻔﻠﺴﻁﻴﻨﻴﻴﻥ ﻓﻲ ﻔﻠﺴﻁﻴن ﺘﺸﻜل 44.2% ﻤﻥ ﻤﺠﻤل ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ، في حين ﺒﻠﻎ ﻋﺩﺩ ﺍﻟﻼﺠﺌﻴﻥ ﺍﻟﻤﺴﺠﻠﻴﻥ ﻟﺩﻯ ﻭﻜﺎﻟﺔ ﺍﻟﻐﻭﺙ ﻋﺎﻡ 2013 ﺤﻭﺍﻟﻲ 5.3 ملايين ﻻﺠﺊ، ﻴﺸﻜﻠﻭﻥ ﻤﺎ ﻨﺴﺒﺘﻪ 45.7% ﻤﻥ ﻤﺠﻤل ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ ﺍﻟﻔﻠﺴﻁﻴﻨﻴﻴﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻡ.
ويتوزع اللاجئون بين ﺍﻷﺭﺩﻥ ﻭﺴﻭﺭﻴﺎ ﻭﻟﺒﻨﺎﻥ (59%) وﺍﻟﻀﻔﺔ ﺍﻟﻐﺭﺒﻴﺔ (17%) وﻗﻁﺎﻉ ﻏﺯﺓ (24%)، ويعيش ﺤﻭﺍﻟﻲ 29% منهم ﻓﻲ 58 ﻤﺨﻴﻤﺎ ﺘﺘﻭﺯﻉ ﺒﻭﺍﻗﻊ 10 ﻤﺨﻴﻤﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺩﻥ ﻭ9 ﻤﺨﻴﻤﺎﺕ ﻓﻲ ﺴﻭﺭﻴﺎ ﻭ12 ﻤﺨﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎﻥ ﻭ19 ﻤﺨﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻀﻔﺔ ﺍﻟﻐﺭﺒﻴﺔ ﻭ8 ﻤﺨﻴﻤﺎﺕ ﻓﻲ ﻗﻁﺎﻉ ﻏﺯﺓ.