القاهرة- وكالات
رحل الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك الثلاثاء عن عمر ناهز 92 عاما، بعد تسع سنوات من تنحيه عن الحكم في 11 فبراير 2011، عبر ثورة شعبية استمرت 18 يوما.
ولم يغادر مبارك مصر بعد تنحيه، لا قبل إلقاء القبض عليه في أبريل 2011 ولا بعد أن أصبح حرا في 2017، قبل أن تبرئه محكمة النقض في فبراير من تهم التآمر لقتل المتظاهرين في ثورة يناير 2011، التي أطاحت حكمه بعد 30 عاما.
ولد محمد حسني مبارك في الرابع من مايو 1928 في قرية كفر المصيلحة في المنوفية، إحدى محافظات دلتا النيل. وكان والده موظفا حكوميا بسيطا.
التحق بالكلية الحربية بعد الدراسة الثانوية، وتدرج في المناصب العسكرية إلى أن عين قائدا للقوات الجوية في 1972. وفي 1975 صار نائبا للرئيس أنور السادات الذي صنع سلاما تاريخيا مع إسرائيل.
تولى مبارك السلطة عقب اغتيال السادات في 1981 برصاص إسلاميين متشددين خلال عرض عسكري في القاهرة. لم يكن أحد يتوقع أن يصبح مبارك، الذي اقتصرت سنوات حياته السابقة على العمل العسكري، رئيسا لمصر، لكنه أثبت قدرته على البقاء في الحكم على نحو لم يتصوره أحد وقت تعيينه نائبا للرئيس.
خلال رئاسته سعى مبارك من أجل السلام في الشرق الأوسط. واعتبارا من 2004 دعم إجراءات تحرير الاقتصاد التي نتج عنها نمو اقتصادي قوي، رغم أن كثيرا من المواطنين العاديين قالوا إنها وسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
كان حليفا قويا للولايات المتحدة التي رأت فيه حصنا ضد الإسلاميين المتشددين، وقدمت لمصر مليارات الدولارات مساعدات عسكرية وغير عسكرية منذ أن أصبحت أول بلد عربي يوقع معاهدة سلام مع إسرائيل في 1979.
عمل مبارك دائما على كبح المعارضة وقاوم أي تغيير سياسي ملموس على الرغم من ضغوط الولايات المتحدة.
فاز في أول انتخابات رئاسة تعددية في 2005، لكن لم يكن أحد يشك في أنه سيكون الفائز، ووقف أقرب منافسيه على مسافة بعيدة جدا عنه في تعداد الأصوات. وقالت منظمات حقوقية ومراقبون إن مخالفات شابت الانتخابات شأنها في ذلك شأن أي انتخابات أجريت في عهد مبارك.
واجه مشاكل صحية في السنوات الأخيرة من حكمه وأجريت له جراحة في ألمانيا في مارس 2010، ومع ذلك ظلت الأسئلة معلقة حول من سيخلفه.
وأدى تزايد ظهور ابنيه علاء وجمال على المستويين السياسي والاقتصادي، إلى اعتقاد كثير من المصريين بأنه يعدهما لخلافته- وهو ما أثار قلق حلفائه في الجيش- خاصة جمال الذي كان يشغل منصبا مهما في الحزب الوطني الحاكم في ذلك الوقت قبل أن يتم حله بعد الثورة على نظام مبارك.
تخلى مبارك عن المنصب يوم 11 فبراير 2011 بعد 18 يوما من مظاهرات عارمة في الشوارع المصرية، شارك فيها ملايين المصريين مستلهمين الثورة الشعبية السلمية في تونس. وأدار الجيش شؤون البلاد إلى أن أجريت انتخابات ديمقراطية في 2012.
توجه مبارك بعد تنحيه إلى منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر، الذي قضى فيه أوقاتا طويلة خلال سنوات رئاسته الأخيرة. وبعد أن عانى من مشكلات قلبية خلال التحقيق معه في أبريل 2011 نقل إلى مستشفى عسكري حيث احتجز على ذمة المحاكمة.
عقدت أولى جلسات محاكمته في الثالث من أغسطس 2011 بتهم تتعلق بقتل المتظاهرين، إذ قُتل 850 شخصا على الأقل أثناء الثورة على مبارك.
كانت التهم الموجهة إلى مبارك تصل عقوبتها إلى الإعدام في حال ثبوتها. وكان أول حاكم يقدم للمحاكمة من بين من أطاحت بهم انتفاضات الربيع العربي.
وقف العالم العربي مشدوها أمام لقطات البث التلفزيوني الأولى من جلسة محاكمته وقد ظهر فيها ممددا على سرير طبي في قفص الاتهام، لكنه كان يحضر من خلال مروحية طبية عسكرية مجهزة.
في 2012 عوقب مبارك بالسجن المؤبد لإدانته بالتآمر لقتل 239 متظاهرا في الانتفاضة، لكن محكمة النقض ألغت الحكم وأمرت بإعادة المحاكمة فصدر حكم في 2014 بألا وجه لإقامة الدعوى عليه. وطعنت النيابة العامة على الحكم وقبلت محكمة النقض الطعن ونظرت موضوع الدعوى بنفسها هذه المرة طبقا للقانون وحكمت في الثاني من شهر مارس 2017 ببراءته.
أدين في قضية فساد واحدة وقضى حكما نهائيا باتا بالسجن ثلاث سنوات، احتسبت من مدة الحبس الاحتياطي التي قضاها في المستشفى.
غادر مجمع مستشفيات القوات المسلحة بالمعادي في 24 مارس 2017 إلى منزله في ضاحية مصر الجديدة الراقية.
ولم يمكث مبارك في السجن، مثل الرئيس الإسلامي محمد مرسي الذي وافته المنية خلال محاكمته، في 2019 عن عمر 67 عاما.
ورأى معارضو مبارك أن الإفراج عنه في 2017 في ظل حكم الرئيس الحالي والمشير السابق بالقوات المسلحة عبد الفتاح السيسي، يعكس إلغاء المكاسب التي تحققت خلال الانتفاضة التي أنهت حكمه.
وينتمي جميع الرؤساء الذين توالوا على حكم مصر منذ سقوط الملكية عام 1952 إلى المؤسسة العسكرية بما فيهم حسني مبارك القائد السابق للسلاح الجوي، وكان محمد مرسي هو الاستثناء الوحيد الذي تولى الحكم لعام واحد، بالإضافة إلى عدلي منصور الذي تولى الحكم لفترة انتقالية مدتها سنة واحدة أيضا بعد أن عزل الجيش الإخوان عن الحكم في 3 يوليو 2013.