مايكل نايتس*
في 1 فبراير، منحت أكثرية الفصائل البرلمانية العراقية الرئيس برهم صالح الضوء الأخضر لترشيح محمد توفيق علاوي كرئيس وزراء مكلّف جديد. وسيحاول هذا المرشّح الشيعي الإسلامي الهادئ الطباع تشكيل حكومته والمصادقة عليها في الثلاثين يوما القادمة.
وبينما يقوم بذلك، من المحتمل أن تلتف الكتل السياسية خلفه بينما تحد من ولايته لتقتصر على تنظيم انتخابات مبكرة في العام المقبل، بعد التخبّط في عملية طويلة وعنيدة لاستبدال رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي.
وللمرة الأولى منذ الأحداث المثيرة التي وقعت خلال الشهريْن الماضييْن، يستطيع واضعو السياسات العراقيون والأميركيون على حدٍّ سواء التقاط أنفاسهم والنظر في خياراتهم على المدى المتوسط.
الانخراط مع رئيس الوزراء الجديد
في النهاية، تم اختيار علاوي لأنه لم يكن ليثير على الأرجح معارضة قوية من أي جانب، بما في ذلك من تيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، أو المسؤولين الإيرانيين، أو الفصائل السنية، أو الأكراد، أو المعتدلين العراقيين، أو الغرب. ولم يكن بأي حال من الأحوال الرجل الذي تفضّله طهران ـ وقد فشلت “كتلة البناء” المدعومة من إيران في دفع مرشحيها الأربعة الأوائل.
وتستمر الشائعات حول وصول علاوي إلى خط النهاية من خلال الضغط الذي مارسه زعيم “حزب الله” اللبناني حسن نصر الله؛ إلا أن ذلك ربما لم ينسّقه علاوي نفسه، بل “تحالف البناء”، الذي سعى مستميتا إلى عرقلة ترشيح مصطفى الكاظمي، ناشط معتدل من المجتمع المدني يترأس حاليا “جهاز المخابرات الوطني العراقي”.
وبالنسبة لواشنطن، إذا كانت النبرة الهادئة التي اتسمت بها استجابة وزارة الخارجية الأميركية لترشيح علاوي تشكّل أحد المؤشرات، فإن الإدارة الأميركية ستحكم عليه وفقا لأعماله ورفاقه.
ومهما كانت وجهات نظر الحكومة الأميركية، فهي بحاجة إلى التعامل بسرعة مع علاوي ـ أي قبل المصادقة عليه كرئيس للوزراء، بينما يعمل فريقه الانتقالي الصغير على تأليف مجلس الوزراء ويقوم بالتحضيرات لتولي المنصب. ومن المؤكد أن رعاته السياسيين والدينيين يوجهونه بالفعل بعيدا عن القرارات السياسية الرئيسية حول أي قضايا غير الإعداد للانتخابات.
فعلى سبيل المثال، في 31 يناير، في اليوم الذي سبق ترشيح علاوي، أوضح آية الله العظمى علي السيستاني أن إعادة التفاوض بشأن تواجد قوات عسكرية أجنبية يجب أن يُترك للحكومة القادمة، بعد إجراء انتخابات جديدة.
ومع ذلك، سيستلم علاوي السلطة عند تقاطع زمني حرج، بتهيئته الظروف لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وترؤسه حكومة مؤقتة لن تستمر فقط حتى موعد إجراء الانتخابات (من المحتمل في عام 2021)، ولكن إلى حين تعيين رئيس وزراء جديد بعد بضعة أشهر من ذلك. (وقد يكون علاوي نفسه إذا فاز بالدعم الكافي). لذا سيبقى في المشهد للعامين المقبلين على الأقل، وربما لفترة أطول.
على واشنطن أن تكون واضحة جدا مع علاوي بشأن توقعاتها وخطوطها الحمراء في المرحلة المقبلة، مع إعطائه جميع المعلومات التي يحتاجها للاضطلاع بدوره المحلي مع مراعاة وجهات نظر أحد الشركاء الأساسيين في التعاون الاقتصادي والأمني. وبشكل عام، تتماشى توقعات الولايات المتحدة مع توقعات الشعب العراقي، خاصة فيما يتعلق بالقضايا التالية:
حماية المواطنين العراقيين. وفقا لـ”المفوضية العليا لحقوق الإنسان ـ العراق”، أشرفت حكومة رئيس الوزراء عبد المهدي على حملات القمع التي قامت فيها الميليشيات الخاضعة رسميا للعقوبات بقتل 536 محتجا وجرح 23,545 آخرين. ينبغي على واشنطن أن تضغط بقوة على علاوي لمنع أي استخدام مستقبلي للنيران الحية، أو رصاص مكافحة الشغب، أو عبوات الغاز ضد المحتجّين (حتى أن هذه الأخيرة غالبا ما تستخدم بطريقة مميتة في العراق).
بالإضافة إلى ذلك، على الرئيس ترامب ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ومسؤولين آخرين أن يذْكروا بصورة روتينية وعلنية محنة المحتجين العراقيين بالطريقة الصلبة نفسها التي طالبوا بها لحماية المحتجين الإيرانيين. كما يجب على الإدارة الأميركية أن تشيد بقدرتهم على الصمود وشجاعتهم ـ فهم يقومون بذلك فعلا مع المتظاهرين الإيرانيين، مما يخلق تناقضا صارخا وملحوظا مع العراق.
حماية مؤسسات الدولة. استخدمت الميليشيات فترة ولاية عبد المهدي للإسراع في تثبيت المسؤولين الفاسدين في مكتب رئيس الوزراء، والوزارات المتنوعة، وقوات الأمن، والقطاعات الاستراتيجية مثل البنوك والموانئ والجمارك والطيران المدني. وهناك علامات على أن علاوي يخضع أصلا لضغوط لإحضار مسؤولين فاسدين إلى مكتبه.
وبناء على ذلك، تحتاج واشنطن إلى إعلامه بأنها تراقب عن كثب وأن بحوزتها مجموعة من العقوبات المستهدفة المتاحة للاستخدام الفوري ضد كبار المسؤولين الفاسدين ومنتهكي حقوق الإنسان الذين يواصلون العمل ضمن نظامه. والهدفان الأكثر وضوحا هما مستشار عبد المهدي للأمن الوطني فالح الفيّاض ومدير مكتب عبد المهدي أبو جهاد (اسمه الحقيقي محمد الهاشمي)، وكلاهما لعب دورا رئيسيا في تنظيم قتل المحتجين، وغيرها من الانتهاكات.
يجب على الحكومة الأميركية أن تعاقب أيضا على الفور أي خطوات عراقية أخرى للتخلص من التكنوقراطيين، من بينهم أولئك المتواجدين في المؤسسات الأمنية مثل “جهاز المخابرات الوطني”.
حماية الحقوق الديمقراطية. دعا كل من منظمة “الأمم المتحدة” و”الاتحاد الأوروبي” إلى إجراء انتخابات مبكرة، وإذا استطاع علاوي تجنب القضايا التي ابتليت بها انتخابات عام 2018 التي تمت إدانتها على نطاق واسع، والإشراف على انتخابات حرة ونزيهة في العام المقبل، فلدى العراق فرصة للإقلاع مجددا كدولة ديمقراطية. وتشير جميع الدلائل إلى أنه يتمتع فعلا بالسلطة والمسؤولية لضمان عدم فساد العملية، وحماية المرشحين والمجتمع المدني في الفترة ما قبل الانتخابات، ودعم الرقابة الدولية المكثّفة على عملية التصويت.
حماية الأفراد الأميركيين. يجب على وزير الخارجية الأميركي بومبيو أن يخبر علاوي مباشرة أن أي هجمات على الأفراد الأميركيين ستؤدي إلى انتقام مؤلم ضد الميليشيات العراقية وكذلك ضد أهداف إيرانية داخل العراق وخارجه. كما يجب أن يكون على دراية بصورة شخصية بالمدى المحتمل لنطاق أهداف القيادة العليا التي قد يتم ضربها، والأزمة العميقة التي قد يجلبها ذلك على حكومته.
الاعتراف بالشركاء وردع الأعداء
في الآونة الأخيرة، في سبتمبر الماضي، بدت الولايات المتحدة منعزلة في هدفها المتمثل في السعي إلى تحقيق السيادة والاستقرار والديمقراطية في العراق. واليوم، في أعقاب الاحتجاجات التي استمرت عدة أشهر وازدياد المقاومة السياسية في وجه الميليشيات المدعومة من إيران، يجب على واشنطن أن تشعر بالاطمئنان من أن القوى القوية داخل العراق تسعى ناشطة إلى تحقيق الهدف نفسه. وأظهر المحتجون وحركات المجتمع المدني والفصائل الكردية، بالإضافة إلى الرئيس برهم صالح ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي والعديد من النواب السنة، العزم والشجاعة في التصدي للترهيب الميليشياوي.
وبالإضافة إلى الإشادة بهؤلاء العراقيين الذين يضعون العراق أولا، يجب على الحكومة الأميركية منحهم آلية دعم منظمة بشكل أفضل، مع التواصل أيضا في الوقت نفسه مع الجيل القادم من القادة والجهات الفاعلة السياسية والاجتماعية الأقل شهرة. يجب إنشاء برنامج كبير لـ “المسار الثاني” لمساعدة المعتدلين على تنظيم أنفسهم، ونشر رسالتهم، والبقاء على دراية بالتهديدات الجسدية قبل الانتخابات التالية.
علاوة على ذلك، يشعر الكثير من العراقيين المعتدلين بأنه يتعين على واشنطن الاستمرار في الضغط على العناصر المدمّرة مثل “كتائب حزب الله”، “عصائب أهل الحق”، “منظمة بدر”، وفالح الفياض.
فإذا رأت هذه الجهات أن هذا الضغط يُرفَع، ستعود للانتقام، فلا تقتل المحتجين والأميركيين فحسب، بل الجهات الفاعلة السياسية العراقية الجديدة أيضا التي تبرز في الفترة التي تسبق الانتخابات. ولتفادي هذه النتيجة، على الولايات المتحدة تحديد نسبة استجابة تثير ضربات أميركية شبه مميتة أو قاتلة (معترف بها أو غير معترف بها) على قادة الميليشيات العراقية. (يجب أن تكون تفاصيل هذه النسبة معروفة فقط للحكومة الأميركية. وقد استُخدم هذا النوع من النظام لمراقبة الردود على مضايقات صدام حسين المستمرة لدوريات منطقة حظر الطيران في التسعينيات).
وبالنسبة إلى الساعين إلى تحقيق السلام والسلامة للأميركيين والعراقيين، من المهم ردع الهجمات الصاروخية الخطرة على القواعد الأميركية، التي ستقتل في النهاية المزيد من الأميركيين، حتى لو كان ذلك “عن طريق الخطأ”.
وفي الوقت نفسه، على واشنطن التنسيق مع بريطانيا و”الاتحاد الأوروبي” بشأن برنامج عقوبات شامل وغير محدود يسرّع استهداف القادة العراقيين الفاسدين ومنتهكي حقوق الإنسان. يجب أن يعتمد الترتيب الذي سيتّبعه استهداف الأفراد على أعمالهم الخاصة، فيقتربون من رأس اللائحة كلما ازدادت سلبية سلوكهم.
ينبغي على الولايات المتحدة أن تسحب أيضا دعم التعاون الأمني من وزارة الداخلية إلى حين تعيين وزير جديد يتخلّص من منتهكي حقوق الإنسان ـ وهي خطوة أصبحت ضرورية بسبب تورّط قوات الوزارة بشكل صارخ في قمع المتظاهرين. وأخيرا، على واشنطن النظر في معاقبة الأفراد داخل “منظمة بدر” بدلا من المنظمة بأكملها، لزيادة الانقسام في هذه الحركة التي تعاني أصلا من الانشقاقات.
القيمة الاستراتيجية لنهج قائم على حقوق الإنسان
لم يعُد المسؤولون الأميركيون بحاجة إلى إعلاء الصوت لإعلان نفوذ طهران الخبيث في العراق: فالجميع في البلاد يفهمون الآن ذلك، ولهذا السبب حاول المحتجّون إحراق السفارة والقنصلية الإيرانيتيْن وليس الأميركيتيْن. والشعب العراقي هو أفضل حليف لأميركا في المناطق الخاضعة لسيطرة بغداد، لذلك على واشنطن المساعدة في حماية ثورته البطيئة الاشتعال ضد قوات الاحتلال الوكيلة لإيران.
إن أفضل طريقة للقيام بذلك هي من خلال إعادة تركيز السياسات الأميركية على حقوق الإنسان وجهود مكافحة الفساد. وفيما يتعلق بهذه القضايا، تسير الولايات المتحدة على خطى الجيل القادم من العراقيين، والمؤسسة الدينية، والمجتمع الدولي. وبإمكان أي إدارة أميركية دعم هذه المبادئ وهذا ما عليها فعله. ويبذل “الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني و “حزب الله” اللبناني كل ما في وسعهما للدفاع عن النخبة السياسية الفاسدة في العراق ومنع تلبية مطالب الناس، لذلك ينبغي على واشنطن استغلال هذا الخطأ المميت المحتمل من جانب طهران.
مايكل نايتس هو زميل أقدم في معهد واشنطن. ومنذ عام 2003، أجرى أبحاثا مكثفة على الأرض في العراق إلى جانب قوات الأمن والوزارات الحكومية.
المصدر: منتدى فكرة