د. جواد بشارة*
الأحداث تتسارع والتصعيد يزداد في العراق ففي كل ساعة هناك قنبلة إعلامية لها خلفيات قد تكون كارثية في المستقبل المنظور. إيران تراوغ وتهدد علناً وتتوسل للتفاوض سراً مع أمريكا لإنقاذ نفسها من كارثة محدقة وأكيدة لا تقل عن الكارثة التي أطاحت بصدام حسين وأذنابها الجهلة السذج والعاطفيين والمنفعلين في العراق لا يهدئون رغم تبرئة نفسها من أفعالهم فإحدى تشكيلاتهم الميليشياوية القذرة والوقحة في العراق قصفت السفارة الأمريكية بصواريخ سقطت على مطعم السفارة وأصابت عدد من موظفيها ما يعني اعتداء على سيادة الولايات المتحدة الأمريكية وعلى أرض أمريكية بموجب العرف الدبلوماسي ناهيك عما لهذا الفعل من تداعيات لاحقة وتحدى وإهانة لهيبة الدولة العراقية وسلطتها مثلما هو تحدي لهيبة وقوة ومكانة أمريكا التي لا يمكنها السكون عن مثل هذه لعمليات الصبيانية التي ترسل رسائل سيئة وخاطئة لأعدائها وخصومها بأنها عاجزة عن الرد ومعاقبة المجرمين والإرهابيين الذي يهاجمون هيئاتها الدبلوماسية وسفاراتها ومصالحها الحيوية وقواتها المسلحة المنتشرة في كل مكان. الداخل الإيراني يعيش حالات متفجرة وقلق واضطراب وخوف ومعاناة من الحصار الاقتصادي والعزلة والعقوبات الدولية و لا يمكن إلا أن ينعكس ذلك سلباً على الداخل العراقي. ومنذ ما يزيد عن شهرين أو أكثر من بدء الانتفاضة الجماهيرية الاحتجاجية في الأول من تشرين أكتوبر 2019 ونحن نحذر من سلوكيات الميليشيات الموالية لإيران ومن ضعف الدولة إن لم نقل تواطؤها مع أعوان إيران في العراق لجر البلاد إلى أتون حرب مدمرة ستأكل الأخضر واليابس إذا لم ننتبه ونتخذ الاحتياطات اللازمة. فالنظام الإيراني كان يحلم بتحقيق وحدة وطنية وتكاتف وتوحيد الصفوف بين مواطنيه بعد مقتل الجنرال قاسم سيلماني لكنه حصل على العطس تماماً ، خاصة بعد إصابة الصواريخ الإيرانية طائرة البوينغ الأوكرانية ومقتل ركابها الــ 176 وطاقمها فانفجرت تظاهرات احتجاجية عنيفة ضد نظام الملالي وضد الولي الفقيه خامنئي التي اندلعت منذ شهر نوفمبر 2019. لقد تحطمت هيبة ومصداقية الحكومة وانكشف كذبها ولقد وجه المرشد الأعلى بقمع وإجهاض الاحتجاجات الشعبية في إيران بكافة الوسائل والسبل وبأي ثمن كان وقطع اتصالات الجماهير الغاضبة بوسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام العالمية. وفي خضم تخبطها قامت السلطات باعتقال السفير البريطاني في طهران لبضعة ساعات بتهم تحريضه الإيرانيين على التظاهر والاستمرار باحتجاجاتهم مما لوث أكثر صورة طهران وحكومتها الموصوفة بأنها تشجع الإرهاب العالمي وجعل علاقاتها متوترة مع أغلب دول العالم . طهران ترسل الرسائل والوسطاء متوسلة بإعادة التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية بشرط واحد فقط هو رفع العقوبات فردت أمريكا على لسان رئيسها لا شكرا لا مصلحة لنا بالتفاوض الآن وإذا كان هناك تفاوض ما فيجب أن يكون بلا أي شرط مسبق من جانب إيران وبالشروط الأمريكية ومناقشة كافة الملفات وليس فقط الملف النووي، مثل الصواريخ البالستية والتمدد الإيراني ونفوذ إيران في المنطقة الخ..
هل هذا يعني أنه الحرب واقعة لامحالة بعد اغتيال سليماني في بغداد في الثالث من يناير 2020 بطائرة مسيرة أمريكية؟ وإطلاق إيران لــ 22 صاروخ إيراني على قاعدة عين الأسد العراقية التي تحوي قوات أمريكية أيضاً ليلة 7-8 يناير ؟ ومهاجمة الميليشيات العراقية الموالية لإيران للسفارة الأمريكية في العراق ومن ثم إطلاق صواريخ في محيطها وأخيراً سقوط سقوط ثلاث صواريخ في حرم السفارة ذاتها على المطعم الملحق بها وإصابة موظفين فيه فجر يوم 27/يناير؟
تريد طهران أن تظهر بمظهر الدولة القوية و ألا ترسل إشارات ضعف أو خوف وتدعي أنها وجهت صفعة قوية للغطرسة الأمريكية . ترامب هدد بأنه لن يسمح لإيران أبداً بامتلاك السلاح النووي وحذر خامنئي والانتباه لتصريحاته وفرض عقوبات إضافية على إيران وتهديد خليفة الجنرال قاسم سليماني بمصير مماثل .وزير خارجية إيران جواد ظريف صرح بأن بلاده لا ترغب بالتصعيد ولا تريد الحرب وتكتفي بردها الرمزي حفظاً لماء الوجه لا أكثر متفادياً إيقاع إصابات بين صفوف الجنود والضباط الأمريكيين في قاعدة عين الأسد لكن طهران تصر على إخراج القوات الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط لا سيما من العراق الرئة الوحيدة التي تتنفس من خلالها في الوقت الحاضر. هناك علامات استباقية تتنبأ بقرب انهيار النظام إذا دخل في حرب مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية كانهيار العملة الإيرانية وارتفاع الأسعار وتفاقم غلاء المعيشة والعجز في توفير العملات الصعبة والنقد الأجنبي اللازم للتجارة.
تجدر الإشارة إلى أن الأزمة الحالية لم تكن وليد اليوم بل لها جذور تعود لأكثر من أربعين عاماً ، أي منذ عام 1979 وإعلان تأسيس الجمهورية الإسلامية على يد خميني وما تلاها من أحداث كان على رأسها أزمة الرهائن الأمريكيين في السفارة الأمريكية في طهران وبدء سياسة التطويق والاحتواء التي اتبعها الرئيس كارتر بعد أن تحولت إيران من شرطي الخليج المخلص للولايات المتحدة إلى عدو معلن. ومنذ ذلك الوقت مدت إيران أذرعها ونفوذها في لمناطق ذات التواجد الشيعي كالعراق والبحرين ولبنان وسوريا واليمن. ولقد وقفت واشنطن إلى جانب العراق في حرب ضد إيران في ثمانينات القرن الماضي ومدته بالمساعدات والمعلومات الاستخبارية والمشورة والصور التي تلتقطها أقمارها الصناعية التجسسية من الفضاء . لكن العلاقات العراقية الأمريكية عادت للتدهور والتوتر بعد غزو العراق للكويت وبقيت على هذه الحالة إلى 2003 عندما قررت إدارة جورج بوش الإبن غزو العراق وإطاحة نظام صدام حسين في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 ولقد استغلت طهران الوضع الجديد بعد سقوط صدام حسين للتغلغل إلى العراق وإحكام قبضتها عليه من خلال أعوانها وذيولها من الطبقة السياسية العراقية الجديدة التي نصبتها الإدارة الأمريكية على رأس السلطة وفق نظام محاصصة تتقاسم السلطة فيه المكونات الرئيسية وهم الشيعة والكورد والسنة فالشيعة يمثلون الوسط والجنوب والسنة يمثلون المنطقة الغربية وجزء من المطقة الشمالية في الموصل والكورد في المنطقة الشمالية ذات الغالبية الكوردية .عاش العراق فترة اضطرابات وحرب أهلية بين 2004 و 2011 بالرغم من وجود القوات الأمريكية المحتلة في العراق حيث نشأت منظمات إرهابية سنية بذريعة مقاومة الاحتلال الأمريكي للعراق كالقاعدة وداعش لكنها في الحقيقة كانت تستهدف المكون الشيعي والسني معاً . خرجت القوات الأمريكية من العراق بموجب اتفاق بين الحكومة العراقي والحكومة الأمريكية سنة 2011 لكنها اضطرت للعودة جزيئيا بعد نشوء خطر تنظيم داعش ودولة الخلافة المزعومة التي احتلت أراضي واسعة من العراق وسوريا وتشكلت منظومة قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لدحر داعش ، وكانت تعمل جنباً إلى جنب مع قوات الحشد الشعبي والميليشيات التابعة لإيران وتوفر لها الغطاء الجوي في محاربتها لأنصار ومقاتلي داعش على الأرض. وفي الداخل العراقي ساعرت إيران بدمج عناصر الميليشيات المسلحة الموالية لها داخل قوات الجيش والشرطة والأمن والاستخبارات خاصة بعد دحر الدولة الإسلامية ومقتل زعيمها الخليفة المزعوم أبو بكر البغدادي وشكلت ما صار يعرف بالدولة العميقة صاحبة السلطة الحقيقية وأقوى من سلطة الحومة الشرعية الرسمية ، ألا وهي دولة الميليشيات المسلحة التابعة لإيران بقيادة الجنرال قاسم سليماني وأبو مهعدي المهندس وهادي العامري وقيس الخزعلي وغيرهم فيما بقي مقتدى الصدر يشكل لوحده تياراً صدرياً يمتلك ميلشيا خاصة به هي جيش المهدي الذي تحول إلى سراي السلام فيما بعد وكان يقوم بمناكفة القوات الأمريكية لصالح إيران في البدء ثم دخل معترك العمل السياسي وفاز في آخر انتخابات داخل تحالف سائرون بأكبر عدد من مقاهد مجلس النواب العراقي الأخير بعد انتخابات سنة 2018. ومنافسه هو تحالف الفتح برئاسة هادي العامري الإيراني الهوى والانتماء تحت غطاء الحشد الشعبي. بعض الفصائل المنفلتة من الحشد هاجمت القواعد الأمريكية في العراق وقتلت متقاعد أمريكي فقامت الولايات المتحدة الأمريكية بقصف مجموعة كتائب حزب الله على الحدود السورية العراقية. خلال الجنازة في بغداد، خرجت الأمور عن السيطرة في المنطقة الخضراء وتم الهجوم على السفارة الأمريكية، ما دفع بالرئيس ترامب إلى إعطاء الأمر باغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، قائد الحشد الشعبي. بعدها بأيام، قصفت إيران قواعد أمريكية في العراق… لتصبح بلاد الرافدين مجددا مسرحاً للصراع الإيراني الأمريكي.
شهد العراق منذ شهور طويلة حراكاً جماهيراً احتجاجياً رافضاً لنظام المحاصصة ومطالباً بدولة مدنية وبمحاربة الفساد ومحاسبة اللصوص والفاسدين وداعياً لإحداث عملية إصلاح في بنية النظام وهيكليته وإزالة المنظومة السياسية الفاسدة برمتها لكن المنطق يقول أن القوى السياسية الحاكمة في العراق لا يمكن أن تحقق أي إصلاح لأنه ضد مصالحها لذلك يساومون ويماطلون ويكذبون ويسوفون لكسب الوقت ويراهنون على تعب المتظاهرين فلا يمكن أن يشرعوا قوانين تحاسبهم وتحاكمهم وتفضح فسادهم وجرائمهم. والحكومة التي خلقوها على مقاسهم لن تستسلم ولن تتنازل عن سلطتها وامتيازاتها وكذلك البرلمان الذي يهيمنون عليه بأغلبية عددية لن يستسلم و يتنازل عن امتيازاته أو يحل نفسه فالأحزاب الحاكمة وميليشياتها وطبقة الفساد المرتبطة بها لن يفرطوا بأي شيء من امتيازاتهم، والأموال التي سرقوها لابد من انتزاعها منهم بأي وسيلة وبالتالي ينبغي جعلهم مرعوبين من مصيرهم الأسود في المقابل يتمتع هؤلاء المجرمون بدعم طهران التي دعت ميليشياتها لتصفية التظاهرات الاحتجاجية في العراق بالقوة مثلما قامت هي بقمع الحراك الجماهيري في طهران ومدن إيرانية أخرى. فقد أعلن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي أن البلاد أحبطت مؤامرة “خطيرة جدا” بعد اندلاع أعمال عنف خلال التظاهرات التي شهدتها إيران في وقت سابق احتجاجا على رفع أسعار الوقود. وقال خامنئي بحسب ما نقله التلفزيون الرسمي إن “الشعب الإيراني أحبط مؤامرة عميقة وواسعة وخطيرة جدا وظف الأعداء أموالا طائلة لها وبذلوا جهودا كبيرة ليقوموا بمثل هذه الممارسات، أي التخريب والأعمال الشريرة والقتل”. ولكن كما صرح أستاذ العلوم السياسية الدكتور خطار أبو دياب في مقال له :” أياً تكن خلاصات الانتفاضة الحالية في إيران، فإن الصورة تبدو قاتمة للمنظومة الحاكمة وأذرعها الإقليمية. ومع بداية عصر النهوض الوطني لم يعد هناك من أفق لمشروع العودة إلى الإمبراطوريات السالفة” . وفي العراق بدت التظاهرات الاحتجاجية كأنها تراوح مكانها وتواجه أفق مسدود وكان لا بد من عملية زحف مليونية باتجاه العاصمة بغداد من كافة المحافظات لإسقاط السلطة معنوياً وإعلامياً وسحب الشرعية منها أمام الرأي العام العالمي والمؤسسات والمنظمات الدولية وأتمنى أن تستغل المرجعية هذه الفرصة لتعلن موقفها الصريح بفتوى تعلن فيها عدم شرعية السلطة القائمة وتحريم قتل المتظاهرين وإقالة الحكومة الحالية وحل البرلمان بعد التصويت على قانون انتخابات عادل ونزيه ومنصف جديد على أساس الانتخاب الفردي حسب عدد السكان في كل منطقة وليس حسب قوائم الأحزاب الفاسدة المفصل على قياسها وتشكيل مفوضية انتخابات جديدة نزيهة وتحت إشراف دولي والتحضير لانتخابات مبكرة تحت إشراف دولي ورقابة دولية. هذا هو الحل الوحيد للخروج من نفق الدمار والشلل ونزيف الضحايا والشهداء والجرحى الذي يزدادا يوما بعد آخر ولتفادي الوقوع في أتون حرب أهلية دموية تأكل الأخضر واليابس وتدمر البلاد برمتها . اتهمت ميليشيات عصائب أهل الحق الجماهير المتفظة بأنه ضحية مندسين جوكرية تابعين لأمريكيا يخططون لاغتيال رموز المرجعية الدينية العليا في النجف وذلك لكي يبرر قيس الخزعلي زعيم ميليشيات عصائب أهل الحق إرساله ميليشياته للنجف حيث إدعى أن هناك تهديد بمهاجمة وحرق بيت المرجع الأعلى السيستاني و إنه عازم على إرسال عناصره المسلحة لحماية المرجع والحقيقة هي للمشاركة في قمع الانتفاضة التي اندلعت لاستئصال النفوذ الإيراني في العراق وفي النجف وكربلاء بالذات. وبعد التي واللتيا ـ نطقت المرجعية على استحياء أخيراً بحرمة الاعتداء على المتظاهرين السلميين ، ما يعني السماح بضرب المتظاهرين غير السلميين وقتلهم فهل هذا يكفي لوقف التدهور والتصعيد وتفاقم الأوضاع وتزايد المخاطر التي تدفع نحو المواجهة الشاملة والحرب الأهلية؟
تصريحات مقتدى الصدر زعيم تحالف سائرون والقائد الأعلى للتيار الصدري :عندما حدث خلاف بينه وبين من نصبه رئيساً للوزراء أي عادل عبد المهدي قال الصدر يجب أن تستقيل الحكومة ولكن بعد أسبوع، وإثر زيارته لإيران صرح قائلاً إن استقالة الحكومة تؤدي إلى الهاوية. وبعدها مباشر ة بأسبوع صرح بالنقيض وقال إذا لم تستقل الحكومة فهذه بداية النهاية. ألا يرى السيد الصدر تناقضاته الفجة في تصريحاته واضطراب موقفه السياسي؟ فهذا يدل على عدم النضوج السياسي لشخص مؤثر جداً على مجريات العملية السياسية في العراق. الكل متشبث بالسلطة وبامتيازاته و لا فرق بين الحكومة والأحزاب والكتل السياسية في ذلك بما فيها التيار الصدري نفسه الذي يمتلك الوزراء والمسؤولين والمدراء العامين ووكلاء الوزارات والنواب في مجلس النواب .
عندما كنت في العراق قبل أسابيع سألني كثيرون عن سبب تمسك عادل عبد المهدي بالسلطة والحكم وعدم تقبله لمطلب تقديم استقالته حقناً لدماء الشباب الثائر ضد العملية السياسية برمتها قبل أن يقدمها مرغماً بأمر من المرجعية الدينية العليا في النجف، فكان جوابي إنه مرض السلطة والداء العضال الذي يعمي البصر والبصيرة والخوف من خسارة مظاهر الأبهة والسلطة والامتيازات وبهارج السلطان ولكن هناك عامل آخر لايقل أهمية ألا وهو سلطة وتهديد رموز وممثلي الدولة العميقة أي الشخصيات والأحزاب والكتل الإسلامية التي تمتلك أسلحة ونفوذ ومال وسلاح وميليشيات خطيرة وتمسك بتلابيب السلطة الحقيقية وليس السلطة الشرعية الظاهرية وهم الذين يتحكمون بقرار وبقاء أو مغادرة هذا المسؤول أو ذاك ويمتلكون إمكانية تصفيته سياسياً وجسدياً إذا تطلب الأمر ذلك ، ولهؤلاء أسماء معروفة ولكن لا يتجرأ أحد على ذكرها لأنهم يثيرون الخوف والهلع من سطوتهم ودمويتهم وهم على سبيل المثال لا الحصر ممثلي الولي الفقيه علي خامنئي وهم قاسم سليماني لأنه هو الحاكم الفعلي للعراق ، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي والجندي المطيع لولي نعمته خامنئي واللذين قتلا في غارة أمريكية في مطلع شهر يناير الجاري ، ومعهما فالح الفياض الشخصية الغامضة والخطيرة، وهادي العامري وتنظيمه الميليشياوي الخطير والمسلح منظمة بدر والذي وضعه تحت إمرة وتصرف إيران في أي وقت تشاء وجلال الدين الصغير وعمار الحكيم بعد موت عمه محمد باقر الحكيم وأبيه عزيز الحكيم وتسلم هو إرثهم البغيض وإمبراطوريتهم المالية والسياسية والعسكرية بكل ما فيها من فساد ولم يكن عادل عبد المهدي سوى برغي بسيط في تلك الماكنة الفاسدة الضخمة التي كانت تسمى المجلس الإسلامي الأعلى وتحولت إلى تيار الحكمة، ونوري المالكي وجهازه السلطوي المعروف باخطبوط حزب الدعوة ومن معه من الشخصيات البهلوانية كابراهيم الجعفري وعباس البياتي وحيدر العبادي وعلي الأديب ووليد الحلي وعبد الحليم الزهيري ومن يسمون أنفسهم بالقيادة التاريخية للدعوة ، وبالطبع التيار الصدري منذ نشأته وإلى اليوم وتاريخه الدموي وفساده السياسي والمالي وعبر جرائم جيش المهدي المعروفة منذ عام 2003 واغتيال مجيد الخوئي إبن المرجع الأعلى السابق أبو القاسم الخوئي ، ومن ثم انسلاخ الجناح الأكثر دموية وانفلاتاً منه ألا وهو عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي، وتنظيمات ميليشياوية متناثرة هنا وهناك تحت خيمة الحشد الشعبي بمسميات كجيش المختار وكتائب الخراساني وفيلق أبو فضل العباس وحركة النجباء وحزب الله العراقي وكتائب الإمام علي وغيرها إلى جانب تشكيلات البيشمركة الكوردية شبه المستقلة عن السلطة المركزية ولديها الحكم الفصل في حيثيات وتفاصيل العملية السياسية المركزية في العراق الفيدرالي وهناك شخصيات سياسية كانت فاعلة ومؤثرة لكنها لا تمتلك ثقلاً عسكرياً كالراحل عدنان الباججي وأياد علاوي ونصير الجادرجي وغيرهم حيث توارى معظمهم من مقدمة المشهد السياسي العراقي وبفعل ماكنة الفساد الضخمة واحتكار المناصب والامتيازات من قبل ممثلي الدولة العميقة حدثت حالة من الاحتقان الشعبي تطورت إلى ثورة شعبية عارمة فثوار تشرين لديهم غاية واحدة اليوم هي التخلص من هيمنة الولي الفقيه وتحرير الوطن وتأمين استقلاليته السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية أي استعادة الوطن وثروات البلد من أتباع طهران ، والتخلص من منابع الشر و الإرهاب الإقليمي البغيض وخاصة أتباع إيران الذين بغفلة من الزمن تسلطوا على رقاب العباد والبلاد وبمساعدة أمريكية لتحقيق أهداف مدمرة منها نشر الفساد والنهب وتقويض اللحمة الإجتماعية وتهديم القيم الأخلاقية العراقية ليتسنى للمحتلين الأمريكان والإيرانيين أن يجثموا على خيرات الوطن ويدنسوا ترابه بشلة من العملاء الذين احتموا بمظلة المرجعية وتحركوا بغطاء منها طيلة ستة عشر عاماً ووضعوا الحكومة والسلطة ومقدرات العراق بيد الأحزاب السياسية الاسلامية الشيعية التي أعدت لهذا الدور في إيران وبمباركة الحوزة الدينية الإيرانية ومؤسسة الولي الفقيه في طهران، المستفيد الأول من الرئة الوحيدة التي بقيت لها للتنفس أي العراق وجعله تابعاً وسوقاً وعمقاً استراتيجياً وأمنياً وعسكرياً، في حالة أي مواجهة مع أعداء إيران . كما شكلت المرجعية الدينية العراقية جناحاً غير مرئي للدولة العميقة المتحكمة بالمسارات السياسية والاقتصادية والمالية في العراق والتحكم بالاقتصاد والمال والتجارة والعملات والمقاولات ــ مشروع مطار كربلاء مثال ساطع على ذلك ونشاطات العتبات التابعة للمرجعية الخارجة عن سيطرة ورقابة رسمية من قبل الدولة ــ والمناصب وتدوير المراكز والمناصب وتوزيعها على الموالين والمقربين حتى تحولت المكاتب الاقتصادية التابعة لأحزاب الإسلام السياسي والمرجعية ذاتها ، برموزها كعبد المهدي الكربلائي وأحمد الصافي النجفي ، إلى بؤر يتجمع فيها وحولها سراق المال العام وتجار الموت وأصحاب المقاولات والكومسيونات المليارية والمقاولات الفاسدة وغدت ما يشبه الامبراطوريات المافيوية. فعادل عبد المهدي يعرف بالتفاصيل والأسماء هذا الواقع العفن والفاسد وأبطاله وهو واحد منهم ويمكنه فضحهم إذا ما قرروا تقديمه وحده ككبش فداء لجرائمهم وفسادهم فالجميع مسؤول ويجب أن يحاكم على جرائمه وليس عادل عبد المهدي وحده والثوار واعون لذلك جيداً ولن يزحزحهم أحد عن مطالبهم وهم يقظون لمناورات السلطة والقوى السياسية الفاسدة فيها التي تريد العودة من الشباك بعد كنسهم وطردهم من الباب العريض .
لماذا لا تريد المرجعية أن تفهم وتستوعب أن الحكومة المؤقتة القادمة ، التي تقتصر مهمتها على تشريع قانون انتخابات عادل ونزيه ومنصف يقبله الشعب والمتظاهرون ، يكون مبني على الترشيح الفردي والفوز بأعلى الأصوات والتمثيل حسب عدد السكان وليس ممثلين عن الأحزاب والقوائم الحزبية، وإنها ، أي الحكومة القادمة ، لا يجب أن تأتي من الطبقة السياسية الفاسدة ذاتها التي تقوم بعملية تدوير أسماء ليس إلا للحفاظ على امتيازاتها ، بل من قبل الجماهير المنتفضة التي قدمت الشهداء لأجل تغيير المنظومة السياسية بأكملها بدون استثناء بما فيهم المقربون من المرجعية نفسها من شخصيات وأحزاب سياسية دينية وغير دينية وأغلبهم فاسدون، فالشعب ليس بحاجة لوصاية المرجعية وإملاءاتها و لا لوصاية وتدخل الأحزاب السياسية لا سيما الدينية منها و لا لوصاية أو حناية أو تدخل التيار الصدري. علينا أن نبدأ من جديد بصياغة العملية السياسية في العراق كما لو إننا في 10 نيسان 2003 بعد سقوط الطاغية صدام مباشرة وتأسيس حكم مدني مستقل ومن الكفاءات لتسيير عجلة البلاد باستقلالية تامة وترميم وإصلاح البنى التحتية وتوفير الخدمات العامة وعودة دورة الاقتصاد السليمة والإنتاج الصناعي والزراعي المحلي وحماية المنتوج المحلي وإعادة توزيع الثروة على نحو عادل ومشروع واستعادة الأموال المنهوبة ومحاسبة الفاسدين ورعاية الشعب والطبقات الفقيرة منه على وجه الخصوص في كافة القطاعات الصحية والتعليمية والمهنية وتوفير فرص العمل والقضاء على البطالة لا سيما بين فئة الخريجين والأهم تطبيق القانون والدستور واستعادة هيبة الدولة وسلطتها. فالميليشيات الحاكمة وجزء منها يعمل تحت غطاء الحشد الشعبي، تعمل على تحويل الوضع الثوري إلى نوع من النزاع المسلح كي تبرر لجوءها إلى العنف المفرط بأنه نوع من الدفاع عن النفس وليس اعتداء سافر على شعب ثائر أعزل ومسالم يطالب بحقوقه المسروقة إذ أن الواقع السياسي البائس في العراق أفرز انسدادا لا يمكن أن يحل إلا بإحدى طريقتين إما الاستسلام وهو أمر لا يمكن أن يحدث من قبل الجماهير بعد كل هذه التضحيات الجسيمة، أو المجابهة بين المجتمع الثائر وميليشيات أحزاب السلطة الفاسدة ولا يجوز السماح لمؤسسي نظام ما بعد 2003 فتح صفحة جديدة مع “تظاهرات تشرين”. فالصفحة الجديدة تفترض العطاء والمهنية والعدالة والإنسحاب من العملية السياسية وتسليمها للثوار. أما الفاسد المؤسس فيميل للتلفيق والتدمير أكثر من الاعتراف والإعتذار.
لقد تحول العراق اليوم إلى اللادولة أو دولة بلا قانون تحكمه شريعة الغاب والبقاء للأقوى والقوة اليوم بيد الميليشيات المتغولة والتي تملك المال والسلطة والسلاح والإعلام وفي مواجهتهم شعب أعزل لا يملك سوى الإرادة والحلم بوطن حر. وصلت الحركة الاحتجاجية إلى نقطة حاسمة تتطلب الحسم والحد من نزيف الدم اليومي خاصة إزاء عزم الميليشيات التابعة للولي الفقيه تصفية الانتفاضة بالقوة وإغراقها ببحر من الدم لذا ليس أمام الثوار سوى الزحف المليوني السلمي إلى بغداد واحتلال مقرات السلطة . الخزاعي حذر من سقوط آلاف القتلى إذا تجاوز المحتجون الخطوط الحمر وهاجموا مقرات السلطة والأحزاب الحاكمة بينما ردد قياديو التظاهرات أنهم لا ينون الزحف على المنطقة الخضراء رمز السلطة الحاكمة فإلى متى سيستمر الحال وهو يراوح في مكانه ومتى سيحدث الحسم وتحقيق الانتصار وكيف سيتم ذلك طالما بقيت سلطة الأحزاب وميليشياتها قائمة ومؤثرة ومهددة لأي تحرك يسلبها امتيازاتها وسلطتها ؟ لا يمكن إجراء أي تعديل أو توقع حدوث إصلاح من أية جهة كانت طواعية فهم متوحشون ومجرمون ومستعدون للبطش بأية قوة مناوئة لهم ومهددة لمصالحهم وذبحها من الوريد إلى الوريد فهل نحن في طريق مسدود الآن؟
مايدور في كواليس السياسة العراقية يفصح أحياناً عن أمور صادمة وكارثية تنم عن نوايا مستترة وإجرامية، وآراء ومواقف ذات دلالات عميقة . فالطبقة السياسية الحاكمة ، وبالتحديد الأحزاب الإسلامية وميليشياتها المسلحة، الموضوعة رهن إشارة إيران وتحت قيادة قاسم الجنرال المقتول سليماني المباشرة وذراعه اليمنى المقتول معه أبو مهدي المهندس، وهي بالإسم منظمة بدر وعصائب أهل الحق والنجباء وحزب الله العراقي ولواء الإمام علي وكتائب الخراساني وجيش المختار وكتائب أبي فضل العباس وغيرها من التسميات المنضمة خلف واجهتها السياسية المعروفة تحالف الفتح الذي يدعي أنه هو الممثل السياسي للحشد الشعبي ، كانت وما تزال متمسكة بالسلطة التي تعتبرها من حقها حكراً كتتويج وثمرة لنضالها السياسي والعسكري الجهادي ضد النظام السابق وبالتالي فهي لن تسلم هذه السلطة إلى أي كان يريد سلبها منها حتى لو كان الشعب العراقي برمته، والذي يفترض أنه مصدر السلطات وشرعيتها في العراق حسب الدستور . فها هو هادي العامري رئيس تحالف الفتح ورئيس منظمة بدر المسلحة يرفض طلب أكثر من 160 نائب طلبوا منه أن يرشح شخصية من خارج الوسط الحزبي السياسي الحاكم لرئاسة الحكومة الانتقالية المؤقتة وقال بالحرف الواحد”: ناضلت لأكثر من أربعين عاماً لكي أصل إلى ما أنا عليه اليوم وأحصل على السلطة وتريدون مني تسليمها إلى حفنة من ” الزعاطيط” ، ويعني بهم شباب الثورة وقادة الاحتجاجات وجماهيرهم الذي يطالبون بتغيير المنظومة السياسية الفاسدة برمتها والتي يمثلها العامري والمالكي والخزعلي والصدر والعبادي والحكيم والحلبوسي ومن لف لفهم ومن حولهم أحزابهم الفاسدة والسارقة لخيرات وثروات الشعب والوطن . فشباب التحرير وباقي في سوح الثورة والاحتجاج الجماهيري في جميع مدن العراق ومحافظاته مهما كانت درجة القمع وهم واعون لما يريدون ويتميزون بسلميتهم وانضباطهم رغم الاعتداءات والاغتيالات والخطف والتهديد والقتل والعنف المفرط الذي يواجهون به من قبل الميليشيات المسلحة والقوى الأمنية وقوات الشغب المتواطئة مع أحزاب السلطة الفاجرة . ولقد وضع الثوار شروطاً يجب أن يتحلى بها من سوف يتولى قيادة المرحلة الانتقالية لحين إجراء انتخابات قادمة وفق قانون انتخابات جديد عادل ومنصف ونزيه وتحت إشراف دولي تم التصويت عليه مؤخراً رغم نواقصه، ويقترحون شخصية حيادية نزيهة وكفوءة لقيادة الفترة الانتقالية على أن لا ينشرح للانتخابات القادمة ولن يتمتع بأية امتيازات خارجة عن الحد المقبول وسيكون الحكم الفصل من قبل الشعب الذي سيخرج من صناديق الاقتراع تحت مراقبة وإشراف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي و لا يترك أدنى فرصة لأي حزب للالتفاف على العملية الانتخابية بحجة تخصيص نسبة للأحزاب تتراوح بين 25 و 50 بالمائة والنصف الآخر للانتخاب الفردي على أساس عدد السكان والدوائر المتعددة المحددة بالأقضية والنواحي والترشيح الفردي والفوز لمن يحصل على أعلى نسبة أصوات لأن الشعب ينوي كنسهم كلياً من المشهد السياسي القادم ومن ثم يقوم النظام القادم المتخب شرعياً بالإصلاحات الجذرية والتشريعات اللازمة التي يحتاجها الوطن والمواطنين بمختلف انتماءاتهم ومكوناتهم والتي من شأنها إخراج البلاد من النفق المظلم الذي وضعته فيه الطبقة الحاكمة الفاشلة . فالأحزاب والكتل السياسية مازالت مصرة على المناورة الخبيثة واقتراح فرد من بين صفوفها تقف خلفه لتتلاعب به وتحافظ على امتيازاتها من خلاله كاقتراحهم ترشيح فلاح السوداني أو إبراهيم بحر العلوم أو قصي السهيل أو مصطفى الكاظمي أو علي شكري أو أسعد العيداني أو فالح الفياض أوعباس البياتي أو عزت الشابهندر وغيرهم من الوجوه الكالحة التي يرفضها الشعب . وإذا لم يذعن الشعب ويتراجع ويخلي ساحات الاعتصام فسوف يتعرض لعمليات إبادة جماعية حقيقية ، وتسيل دماء كثيرة وتزهق أرواح . لقد جلبت الميليشيات التابعة لإيران مرتزقة من أفغانستان وباكستان إلى العراق لتعزيز صفوف الميليشيات الموالية لها والتي تقوم بعمليات القتل والاختطاف اليومي بين صفوف المتظاهرين والاعتداء عليهم في ساحات الاعتصام وخارجها عند عودتهم إلى بيوتهم، وفي مقابلها استعدادات أمريكية تعزيزية لقواتها المتواجدة في العراق تحسبا لأية مواجهات قادمة . على المتظاهرين أن يعوا خطورة الموقف ويحصنوا أنفسهم من الآن لأن مخططات السلطة الحقيقية في الدولة العميقة ونواياها خطيرة وإجرامية . المرجعية هي التي أفتت بتشكيل الحشد الشعبي وكانت محقة بذلك وهي وحدها القادرة على الإفتاء بحل الحشد الشعبي بعد أن اختطفته الميليشيات المسلحة التي كانت موجودة قبل تأسيسه وصارت تمارس سلطاتها وعنفها وقمعها وخطفها وقتلها للناشطين بإسمه والتحكم بالعملية السياسية برمتها تحت رايته. فإلى متى يبقى المتظاهرون السلميون صامدين يقدمون يومياً شهداءً يسقطون بسلاح الميليشيات والعصابات الإجرامية التي تعمل لحساب السلطة؟ هل السلمية تعني تحريم الدفاع عن النفس؟ إذا استمر الأمر هكذا فسوف تتم تصفية شباب الثورة عن بكرة أبيهم خلال أسابيع قليلة ولابد من وقف النزيف. فالحقوق تؤخذ و لا تعطى والطبقة السياسية الفاسدة الحاكمة لا ترغب في التنازل عن أي من امتيازاتها طواعية إلا إذا أرغمت على ذلك والمعادلة بين أحزاب السلطة والشعب غير متكافئة فالنظام مدعوم من إيران والشعب مكشوف الظهر.
لا يوجد لدينا رجال دولة بل رجال سلطة وحيتان فساد ورؤوساء عصابات وميليشيات حاكمة فرجال الدولة يركنون إلى العقل والمنطق السليم في إيجاد الحلول إبان الأزمات الخطيرة التي تهدد مصير بلدانهم ويتناسون خلافاتهم عكس رجال السلطة الذي لاتهمهم سوى مصالحهم الخاصةومجلس النواب عاجز عن تشريع قانون انتخابي عادل ومنصف ونزيه يعتمد مبدأ الدوائر المتعددة والانتخاب الفردي بنسبة ١٠٠٪ وعلى أساس الدوائر الانتخابية التي تقسم حسب الكثافة السكانية ويكون الفائز هو الشخص الذي يحصل على نسبة ٥٠٪ فما فوق من أصوات السكان في الدائرة الانتخابية وهذا لا يعجب الأحزاب السياسية المتمسكة بالسلطة والتي من الممكن أن تخسر حتى شرعية وجودها أو لن تتمكن بالفوز ولا حتى بمقعد واحد في البرلمان القادم وهي كارثة سياسية بالنسبة لها. هل يفهم السياسيون وأحزابهم وكتلهم هذه الرسائل التي وردت في خطب المرجعية ؟ وهل سيواصلون مساعيهم لعرقلة أي حل يأتي من خارجهم للبقاء في السلطة بأي ثمن؟ فمن الواضح أن قانون الانتخابات الفردي على أساس تعدد الدوائر الانتخابية لكل محافظة والفوز بأعلى الأصوات لا يناسبهم ولكن لا بد من فرضه عليه بالقوة والإصرار والضغط الجماهيري.نحتاج لقانون أحزاب جديد يمنع الأحزاب صاحبة ميليشيات مسلحة أو لها علاقة بميليشيات المشاركة بالانتخابات القادمة ويسحب الشرعية من الأحزاب الحالية لاسيما المتورطة بملفات فساد.
إيران لن تستسلم بسهولة للمناورات الأمريكية إذا استمر لوي الأذرع بينها وبين أمريكا في العراق ومن المعروف لدى المراقبين والمحللين أن طهران تخطط لفرض أمر واقع جديد في العراق من خلال مناورة ضخمة لا تقل عن الاحتلال العسكري المباشر ولكن بأدوات محلية بهدف إحكام القبضة الإيرانية على العراق وتحويله لعمق استراتيجي لها في مواجهة أي ضربة أمريكية قادمة ضدها. و لا يوجد أمام أمريكا، بعد هذه الإهانة الصارخة واقتحام حصنها الدبلوماسي في العراق، وضرب سفارتها من الداخل على نحو مباشر ووقح، سوى الانسحاب مذلولة ومنهزمة أو رد الصاع صاعين وبقوة كافية تلجم هذه الميليشيات المنفلتة، سيما وإن بنود الاتفاقية الأمنية بينها وبين العراق تسمح لها بذلك بحجة الدفاع عن النفس. فهي لا تسطيع الاعتماد على الحكومة العراقية في تأمين سلامة سفارتها وجنودها في العراق لأن هذا الأخير في هذه اللحظة بات دولة فاشلة وأسوء من الصومال وليبيا فقد دخل في نطاق اللادولة وطغيان الفوضى وحكم الميليشيات علناً وهاهو آخر مسمار يدق في نعش النظام فسينهار كل شيء والبداية من الاقتصاد وإرجاع العراق للفصل السابع وانسحاب قوات التحالف الدولي وغلق السفارات الأجنبية فيه إذا استمر الوضع على ما هو عليه من الفلتان، وربما عودة داعش مرة أخرى لتشكل تهديداً مباشراً على العراق ككيان ودولة.
هل سيتجرأ عادل عبد المهدي فعلاً لا قولاً اعتبار الضربة الصاروخية الإيرانية على الأراضي العراقية ضد قواعد أمريكية بأنها انتهاكاً صارخاً للسيادة العراقية؟ ومحاسبة إيران وطرد سفيرها من بغداد؟ أبلغت الجمهورية الإسلامية في إيران الحكومة العراقية في آخر لحظة بان الرد الإيراني على اغتيال قاسم سليماني قد بدأ وان الضربة ستقتصر على أماكن تواجد الجيش الأمريكي في العراق دون أن تحدد مواقعها وهذا كذب. وفي نفس الوقت اتصل الجانب الأمريكي برئيس الوزراء العراقي وأخبره بأنه سيرد على الهجوم الصاروخي الإيراني وعبد المهدي لا حول له و لا قوة . وكانت الصواريخ تتساقط على الجناح الخاص بالقوات الأمريكية في قاعدتي عين الأسد في الأنبار وحرير في أربيل وفي مواقع أخرى كما ادعت إيران . وحاول عبد المهدي من خلال اتصالاته وتوسلاته يحاول احتواء الموقف وعدم زج العراق في حرب مفتوحة سيكون العراق والمنطقة من أول ضحاياها. لكن العراق لم ينجح في احتواء وتجاوز هذه الأزمة الخطيرة المستمرة لغاية اليوم والتي تهدد العراق والمنطقة والعالم بحرب مدمرة شاملة.
اجتمع قادة الميليشيات في قم بتوجيه الولي الفقيه لتصفية حركة الاحتجاجات السلمية في العراق وفرض أنفسهم كبديل بذريعة توحيد فصائل المقاومة الإسلامية ضد الوجود الأمريكي في العراق وتنظيم تظاهرات مليونية لسحب البساط من تحت أقدام المعتصمين السلميين لصالح العملية السياسية الفاسدة الحاكمة، تنظمها وتقودها الميليشيات المتغولة التابعة لإيران وقيادتها المعروفة يضاف إليهم هذه المرة مقتدى الصدر واتباعه والذي التحق بهم طوعا أو مكرها بضغط وتهديد من طهران، وكانت أول تظاهرة مليونية مدفوعة الثمن بغية زيادة عدد المتظاهرين قد جرت في منطقة الجادرية لمدة ساعتين نقل إليها المتظاهرون من كل أنحاء العراق بباصات وفرتها الدولة وأموال أعطيت للمتظاهرين وأكل ودعم لوجستي وكانت النية في البداية أن يحتلوا ساحات وخيم المعتصمين المدنيين السلميين وطردهم من ساحات الاحتجاج والقيام بالاعتصام بدلا منهم حتى خروج القوات الأمريكية والذي يرفض سيقتل أو يغيب و سوف يرفعون شعار أمريكا بره بره بغداد تبقى حرة ولن يتجرأ أحد على معارضتهم ، لكن الذي حدث هو مجرد فقاعة إعلامية حيث تفرق المتظاهرون بعد ساعتين بأوامر من مقتدى الصدر نفسه . لقد حصل توحد وتلاحم بين عناصر الطرف الأول ، أي الجيش والشرطة وقوات مكافحة الشغب الرسمية الحكومية وقوات الصدمة الدمج فكل عناصرها تقريباً من كتائب حزب الله وميليشيات أخرى، مع ما سمي بالطرف الثالث، أي مسلحي الميليشيات المجرمة وأحزابها الفاسدة الحاكمة، ضد الطرف الثاني وهي الجماهير المنتفضة المطالبة بحقوقها المشروعة بسلمية وقتلها بالرصاص الحي.وقد تفاقمت ظاهرة القتل والاختطاف والاغتيال ضد الناشطين وضد ساحات الاعتصام التي تعرضت لهجمات مسلحة مباغتة وأحرقت في البصرة وذي قار وبغداد وكان لابد من تصعيد جماهيري مضاد يتمثل بتكثيف التواجد الجماهيري وتنظيم حركة زحف مليوني على مراكز القرار في العاصمة بغداد. وكان هذا هو رأيي وموقفي منذ بداية الحراك، بأنه لابد من واجهة رصينة ومحترمة ونزيهة ووطنية من شخصيات نظيفة لا تشوبها شائبة تتصدر المشهد الإعلامي وتطرح كممثل رسمي وشرعي للحراك والمنتفضين أمام الحكومة والهيئات والمحافل الدولية وتطرح خارطة طريق واضحة ومفصلة للعملية الانتقالية وللتغيير المنشود وفق سياقات قانونية ودستورية للخروج من دائرة القتل والخطف والاغتيال والتدمير لأنه إذا لم يحدث ذلك فنحن ذاهبون لا محالة للمواجهات المسلحة العنيفة بين جلادي ومجرمي السلطة وميليشياته وبين الشعب الأعزل الذي سيضطر للدفاع عن نفسه إزاء ما يحضر له من سيناريو كارثي ومجازر ودماء وتضحيات. نحن في فرنسا نتحرك وفق هذا الإطار لدى السلطات الفرنسية لكنهم يردون علينا :من يمثل المتظاهرين والمحتجين؟ نحن نعرف السلطة ووجوهها لكننا لا نعرف وجوها و أسماء متفق عليها من قبل المنتفضين وبالتالي لا نعرف كيف نتعامل معهم وكيف سندعوهم للمشاركة والظهور في الفعاليات والأنشطة الدولية ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها. لذا لابد من إصرار قيادات الحراك الجماهيري على مطالبة البرلمان بحل نفسه وتحضير الانتخابات القادمة تحت إشراف ورعاية ومراقبة وتنظيم الأمم المتحدة والمراقبين الدوليين. ولقد وجهت كلمة للسيد مقتدى الصدر بعد أن أعلن انسحاب تياره من ساحات الاحتجاج ورفع خيم تياره وأنصاره معطياً بذلك إشارة البدء بالهجوم على ساحات الاحتجاج بالقوة من قبل الميليشيات المنفلتة وقلنا له بصريح العبارة :ألا تعتقد أنك تعرض أمن العراق وأمن وحياة المتظاهرين والمنتفضين للخطر بدعوتك لمليونية ينظمها ويشارك فيها قتلة ومجرمون مسلحون من الميليشيات التي وصفتها أنت بنفسك يوماً ما بالوقحة والمنفلتة من أمثال عصائب أهل الحق والنجباء وحزب الله وغيرهم؟ ولم يرد . فيما تستمر نفس هذه الميليشيات المستهترة بتأزيم الأوضاع والتصعيد الخطير لجر أمريكا لعمل عسكري لا يحمد عقباه. وأمام كل ذلك ما تزال المرجعية ، التي من المفترض أنها تقف إلى جانب المتظاهرين والمحتجين المدنيين وتقدم لهم الدعم والتأييد والمساعدة ، تلتزم الصمت حيال تنمر الميليشيات التي تترك تحت لافتة الحشد الشعبي المحسوب على المرجعية.
لقد ابتلينا بهذه اللغة الإنشائية المضببة والقابلة للتأويل حسب مصلحة كل طرف لماذا لا تضع المرجعية النقاط على الحروف وتقول بصراحة ووضوح تام وبالأسماء ما الذي تراه كموقف صائب للخروج من المأزق والانسداد ، ووقف استمرار نزيف الدم وسقوط الشهداء على يد الميليشيات المجرمة التي تحكم البلد لصالح إيران ومصالحها العليا ؟. فمن الذي ينتهك سيادة العراق؟ أليست إيران وليس فقط أمريكا؟ ومن الذي يفرض الإملاءات الخارجية أليست إيران وأمريكا؟ ومن الذي يسوف ويماطل أليست الأحزاب الإسلامية التابعة لإيران والحاكمة للعراق بقوة السلاح الميليشياوي؟ كان البعض يعتقد أن الصدر وتياره يحمون المتظاهرين السلميين من تعسف وبطش الميليشيات الإجرامية لكن الصدر غدر بالثوار والمتظاهرين المعتصمين في سوح التظاهر وأمر بسحب أعوانه وخيمه وتركهم وحيدين مكشوفين أمام هجمة شرسة من قبل قوات النظام والميليشيات المجرمة التابعة للأحزاب الإسلامية الحاكمة تلبية لأوامر إيرانية صريحة بتصفية الانتفاضة مقابل وعود وامتيازات قدمت له من بينها تكليفه بالملف العراقي واعتباره الرديف لحسن نصر الله في العراق . ولقد سبق أن حذرنا من نوايا ومخططات إيران وأعوانها من الميليشيات المسلحة المتغولة في تصفية الانتفاضة في أقرب فرصة ممكنة والآن قدم مقتدى الصدر بسلوكه الغادر هذه الفرصة للميليشيات وقوات الأمن ومكافحة الشغب المخترقة من الميليشيات لضرب الانتفاضة بالقوة وتصفيتها. ذهب مقتدى الصدر إلى إيران وهو ليس بحاجة إلى ذلك لكنه آثر الاحتماء بها بذريعة إكمال دراسته الحوزوية هناك . فهو سيتخرج بسرعة في غضون أشهر قليلة، ويختصر السنوات الطوال التي تمتد لعقود طويلة عادة، واللازمة لتأهيله دينياً، وستمنحه حوزة قم رتبة آية الله مجتهد، الأمر الذي لا يحلم به من حوزة النجف وصرامتها في هذا المجال، وبالتالي سيكون قابل لتبؤ منصب مرشد ديني على غرار تجربة حجة الإسلام خامنئي الذي تحول بقدر قادر بين ليلة وضحها إلى آية الله العظمى والمرجع الأعلى خليفة لمرشد الثور الراحل خميني، ويخطط لمقتدى أن يصبح مرجعاُ ينافس المراجع التقليديين شعبياً بعدد مقلديه كما تتمنى إيران وتعمل من أجل ذلك لسحب البساط من مرجعية النجف بعد وفاة السيستاني المنتظرة وهذا هو سر تكليفه بالملف العراقي. ومقابل ذلك لم يتردد مقتدى الصدر في الانضمام لمحور المقاومة الإسلامية العالمية أي محور ميليشيات إيران والعمل على تصفية التظاهرات السلمية بقوة السلاح على يد قوات مكافحة الشغب وقوات الصدمة المخترقة ميليشياوياً وبعض القوى الأمنية الأخرى التي تأتمر بأوامر أحزاب السلطة وأصحاب الميليشيات الوقحة والمتنمرة كبدر وعصائب أهل الحق والنجباء وحزب الله العراقي وغيرها التابعة لإيران والتي انضم إليها الصدر وميليشياته سرايا السلام تحت ذريعة إخراج القوات الأمريكية وتشكيل محور المقاومة الإسلامية العالمية وهم اليوم يهاجمون ساحات التظاهر والاحتجاج في البصرة وبغداد وذي قار وحرق خيم المعتصمين. فمقتدى الصدر لا يتحمل أن يكون مهمشاً أو معترضاً عليه أو أن يشكك أحد بنواياه أحد ويطعن بصلاحيته وقيادته وهو لا يتقبل النقد ويطالب بالطاعة العمياء من المتظاهرين أسوة بأتباعه. لدينا مثل شعبي يقول “لو ألعب لو أخرب الملعب” وهذا هو موقف مقتدى الصدر فإما أن يخضع له الثوار والمحتجون ويقبلون قيادته للتظاهرات ويذعنون لأوامره أو يتخلى عنهم ويرفع عنهم حمايته لهم ويغدر بهم ويتفق مع أعدائهم على تصفيتهم جسدياً كما يحدث اليوم. وهو يستقوي بقوات الأمن وقوات الحشد الشعبي التي خطفت من المرجعية ووضعت تحت إمرة وخطط إيران. فمن أخرج المارد الشرير من القمقم عليه إرجاعه له لتخليص الشعب العراقي من شروره وبطشه وتنمره وأقصد بذلك المرجعية الدينية العليا في النجف التي أفتت بتأسيس الحشد الشعبي لضرورة آنية لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي إلا أن ميليشيات حزبية إجرامية مسلحة تابعة وموالية لإيران تغلغلت داخل الحشد الشعبي وانضوت تحت إسمه واتخذته غطاءاً لجرائمها وخطفت إنجازاته وجيرتها لنفسها وهي التي تهاجم وتخطف وتقتل وتذبح وتحرق ساحات الاعتصام السلمية المطالبة بحقوقها الشرعية أما ما يخص سرايا السلام وهي بقايا جيش المهدي سيء الصيت فهي لم تنضوي تحت مسمى الحشد الشعبي وبقيت مستقلة نسبياً عن قياداته التي فرضت نفسها عليه مثل أبو مهدي المهندس وفالح الفياض وقيس الخزعلي وحامد الجزائري وأبو ولاء الولائي والبطاط وغيرهم لكنها ميليشيات كانت وستظل رهن إشارة مقتدى الصدر وتحالفت مؤخراً مع محور إيران الميليشياوي لوأد الانتفاضة الجماهيرية ولقد نجح هؤلاء التابعين والذيول الإيرانيين في اختراق الجيش والأمن الداخلي من خلال عمليات الدمج تحت عباءة قوات الصدمة، على غرار عصائب أهل الحق وحركة النجباء وكتائب حزب الله العراقي وغيرها في التحكم بالقرار العسكري والأمني العراقي وهو الأمر الذي طالب به مقتدى الصدر نفسه ولكن ماذا لو تم دمج سرايا السلام فلمن سيكون ولاؤها للحكومة الجديدة أم لمقتدى الصدر؟ إذ أن ولاء الميليشيات المدمجة هو لإيران على نحو صريح و لا لبس فيه وليس للدولة العراقية أية سيطرة عليها بل هي أقوى من الدولة. فماذا سيكون موقف مقتدى الصدر؟ هل بإمكانه تحدي الأوامر الإيرانية ورفضها وهو مقيم فوق أراضيها كالسجين؟ مقتدى الصدر مضطرب وغاضب لأنه فقد هيبته ومكانته لدى الكثير من فئات الشعب العراقي بل وخسر قدسيته في أعين الكثير من أتباعه فهو متقلب المزاج والمواقف ومتخبط في قراراته السياسية وليس بوسع أحد توقع تصرفاته ونزواته وعلى الثوار والمحتجين أن يكونوا حذرين في التعامل معه خاصة في القضايا المصيرية . لقد أثبت الثوار أنه ليسوا بحاجة إليه وهذا ما أفقده صوابه، فعندما صرح أحد قادة تياره وهو حاكم الزاملي أنه لو انسحب الصدريون فلن يبقى في ساحة التحرير أكثر من 100 متظاهر، خرج مئات الآلاف يومي الجمعة والسبت بعد انسحاب الصدريين حتى ازدحمت بهم ساحة والتحرير وبقية ساحات الاحتجاج والتظاهر في البصرة وذي قار والحلة والديوانية والعمارة والكوت وغيرها وبلغت الملايين. وهؤلاء لن ينجروا لفخ المواجهة الإيرانية الأمريكية وشعارهم العراق أولاً ونريد وطن وسوف يزحفون بالملايين يوم الجمعة القادم مشياً على الأقدام من كافة محافظات العراق باتجاه بغداد وبوسع الصدريين كأفراد وعراقيين وليس كأتباع تيار سياسي أن ينضموا إليهم. استبقت ميلشيا الأحزاب الحاكمة الأمر وقامت بتصعيد جديد استفزازي من خلال الهجوم على مقر السفارة الأمريكية من الداخل خارقين بذلك ما التزمت به طهران نفسها بأنها لن تهاجم أمريكا مباشرة ولن تسمح لأتباعها بالقيام بذلك وبالتالي فهي تتحمل مسؤولية ما حدث وعليها تحمل الغضب الأمريكي والرد الكاسح الذي يعده لهم الرئيس ترامب وأرجو ألا يكون على أرض العراق لكنه قطعاً لن يتجاهل مسؤولية الزعماء الميليشياوين في العراق وسوف يعاقبهم على طريقة معاقبته لسليماني وأبو مهدي المهندس.
* باحث وكاتب عراقي مقيم في باريس