ديفيد بولوك
فيما لا تزال الاضطرابات بين الولايات المتحدة وإيران عالية المستوى، اختارت الإمارات العربية المتحدة أن تصوّر نفسها كقوّة للّاعنف والمصالحة في المنطقة. وعلى الرغم من تورطها الطويل في الحرب في اليمن، قال أنور قرقاش، وهو وزير الدولة للشؤون الخارجية، مشيرًا إلى إيران: “لا بدّ من تغليب الحكمة والحلول السياسية على المواجهة والتصعيد”. وفي الوقت نفسه، تحافظ الإمارات العربية المتحدة على علاقات أمنية ودبلوماسية وثيقة جدًّا مع واشنطن، وتبقى علاقتها مع إيران متوتّرة.
يُظهِر استطلاعٌ نادرٌ للرأي العام الإماراتي أُجري في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 أن هذه التركيبة المشوّشة – أي التمالك رغم الميل نحو الولايات المتحدة وضدّ إيران – تتماشى إلى حدٍّ كبير مع المواقف الشعبية للجمهور الإماراتي الذي أبدى رفضه للحروب الخارجية بشكل عام والتصعيد مع إيران على وجه الخصوص. فتعتقد أغلبية عامة الناس الإماراتيين (69 في المئة) أن الإمارات العربية المتحدة “يجب أن تظلّ بعيدة عن أي حروب خارج حدودنا، وان يتم التركيز على القضايا الداخلية “عوضا عن ذلك.
في الوقت نفسه، تقول الأغلبية الساحقة من الإماراتيين إنه ليس من المهم أن يتمتع بلادها بعلاقات طيّبة مع إيران. ويقول (9 في المئة) من الإماراتيين فحسب إن هذه العلاقات هي حتى “مهمة نوعًا ما” – علمًا بأن هذه النسبة انخفضت بشكل طفيف عمّا كانت عليه في عام 2018 حيث كانت (13 في المئة). وعلى سبيل المقارنة، يقول نصف هؤلاء الناس تقريبًا إن العلاقات الطيّبة مع الولايات المتحدة مهمة بالنسبة للإمارات.
بشكلٍ أدق وفي ما يخص إيران، يمكن ملاحظة الانقسام الطائفي حول بعض نواحي هذه المسألة. فمن بين الأقلّيّة الشيعيّة الصغيرة – التي تبلغ (15 في المئة) من إجمالي عدد السكّان – فإن حوالي نصف العدد (47 في المئة) يعنيه نوعًا ما على الأقل الحفاظ على علاقات جيّدة مع إيران؛ ومن بين الأغلبيّة السنّيّة، هناك (نسبة 6 في المئة) فحسب يعنيها هذا الأمر.
لكن حتى معظم الشيعيين يقولون إن سياسات آية الله خامنئي “سيئة كفاية” على الأقل. وتبقى النسبة المؤيّدة لمرشد إيران بين المستجوَبين الشيعة والبالغة 26 في المئة أقلّيّة. أمّا بين المستجوَبين السنّة، يبلغ هذا الرقم مجرّد (5 في المئة). وإلى ذلك، كانت المواقف إزاء “حزب الله” المدعوم من إيران سلبيّة أيضًا بمعظمها، إذ يُبدي أكثر من (90 في المئة) آراءً غير إيجابية حول ذلك التنظيم – في حين تشعر أكثر من نصف الأقلية الشيعية في الإمارات العربية المتحدة بالشيء نفسه.
في ما يتعلق بالسياسات الأمريكية تجاه المنطقة، يرى عددٌ كبيرٌ من الإماراتيين (حوالي الثلث) أن أكثر شيء مفيد يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة هو “زيادة معارضتها العمليّة لنفوذ إيران وأنشطتها في المنطقة”. واحتلّ المرتبة الثانية “بقاء [الولايات المتحدة] خارج منطقتنا بأكملها، أو على الأقل الانسحاب من الجزء الأكبر منها”، وذلك على الرغم من أن الفارق بين هذا الاختيار وأولئك الذين يأملون في أن “تفعل الولايات المتحدة” المزيد لإيجاد حل دبلوماسي للأزمة في اليمن جاء بفارق نقطة واحدة “.
ويبرز هنا أيضًا انقسامٌ طائفيٌّ صغير. فقد اختار معظم الناس بين الشيعة (45 في المئة) أن “تفعل الولايات المتحدة” المزيد لإيجاد حل دبلوماسي للأزمة في اليمن”، فيما غلبَ اختيار التصدي للنفوذ الإيراني بين السنّة (34 في المئة). وفي المقابل، اختار 4 في المئة فقط من الشيعة الإماراتيين مواجهة إيران باعتباره الشيء الأكثر فائدة الذي يمكن أن تفعله الولايات المتحدة “. ومع ذلك، وفي حين أن الإماراتيين يعتقدون أن هناك عدة طرق يمكن للولايات المتحدة من خلالها أن تؤثر بشكل إيجابي في المنطقة ألا أن عددٌ كبيرٌ من الناس يفرّق بين الولايات المتحدة وقيادتها. وعند السؤال عن سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قال (8 في المئة) من المستجوَبين الإماراتيين أن سياساته “جيّدة كفاية”.
من الأمور الأخرى التي تعني عامة الناس في الإمارات بنسبة أقل هي القضيّة الفلسطينية، التي جاءت في المرتبة الأخيرة ضمن أولوياتهم بالنسبة إلى السياسات الإقليمية الأمريكية عند إجراء استفتاءٍ في تشرين الأول/أكتوبر 2018. وتختلط المواقف حول هذه المسألة. فما زال أكثر من نصف الناس الإماراتيين (68 في المئة)، يوافقون على أن “الدول العربية يجب أن تؤدي دورًا أكبر في محادثات السلام” من خلال “تقديم الحوافز إلى كلا الطرفيْن من أجل اتّخاذ مواقف أكثر اعتدالًا”. إلا أن عددًا كبيرًا ما زال يعبّر عن موقفٍ إيجابيٍّ إزاء حركة “حماس”، التي ترفض السلام مع إسرائيل. وسبق أن انتقدت الحكومة الإماراتية “حماس” في الماضي، بسبب دعمها للحكومة الإيرانية – لكن ما زال ثلث الإماراتيين يتمسّكون برأيٍ إيجابيٍّ نوعًا ما حيال هذه الحركة الفلسطينية المتشددة.
على صعيد الشؤون الداخلية، يكشف الاستطلاع عن مواقف شعبية مختلطة – حول الأهداف الاجتماعية المقدَّمة من الحكومة، حيث أعلنت الإمارات العربية المتحدة أنّ عام 2019 هو “عام التسامح”. ورغم المزاعم حول أن الإمارات تتولّى الريادة في سبيل تحقيق المساواة بين الجنسيْن في المنطقة، يقول (48 في المئة) من المستجوَبين إن حكومتهم تقوم بـ”الكثير” في مجال “تعزيز الفرص والمساواة للمرأة”. وتعكس تلك البيانات واقع دول الخليج، حيث غالبا ما تكون الحكومات في كثير من الأحيان أكثر تقدمية من الشعوب التي تحكمها. علاوة على ذلك، لم ينجح تركيز قيادة الإمارات العربية المتحدة على القضايا الاجتماعية في تهدئة الشعور بوجود تركيز “كبير” على مساواة المرأة، حيث ظلت النسبة ثابتة بدون تغيير نسبيًا منذ عام 2018.
في ما يخص الدين، يقول 29 في المئة الآن: “علينا أن نستمع إلى مَن يُحاول منّا تفسير الإسلام بطريقة أكثر اعتدالًا وتسامحًا وعصريّةً”. ويشكّل ذلك زيادةً بالنسبة إلى السنوات السابقة، كما يشكّل بالمقارنة مع البلدان الأخرى الخاضعة للاستفتاء نسبةً أعلى بكثير اليوم. وفي الإمارات، يسيطر هذا الرأي المعتدل بشكلٍ أكبر نوعًا ما بين الأقلّيّة الشيعية، إذ يوافق حوالي النصف أقلّه نوعًا ما على هذا التصريح. وعلى سبيل المقارنة، يؤيّد (30 في المئة) من السنة التفسير الأكثر اعتدالًا للإسلام، حيث أن هناك (44 في المئة) “يعارضون إلى حد ما” و (25 في المئة) “يعارضون بشدة” هذا التصريح.
في الوقت نفسه، ما زال أكثر من ربع الإماراتيين يعبّرون عن رأيٍ إيجابيٍّ نوعًا ما على الأقل إزاء جماعة “الإخوان المسلمين”، الذين تعتبرهم الحكومة الإماراتية بمثابة منظّمة إرهابية. ورغم حملة الحكومة ضد المنظّمة، بقي هذا الرقم ثابتًا تقريبًا في خلال السنوات الثلاث الماضية.
عند السؤال عن العلاقات مع الجماعات الدينية الأخرى، تتنوّع الأرقام أكثر فأكثر. فتُعرب أغلبية الإماراتيين (65 في المئة) عن تأييد تحسين العلاقات مع المسيحيين. غير أنّ نسبة (2 في المئة) فحسب توافق على هذه العبارة: “علينا أن نُظهر المزيد من الاحترام إلى اليهود في العالَم، وأن نحسّن علاقاتنا معهم”. وهذه النتائج مشابهة في البلدان الأخرى الخاضعة للاستطلاع أي: الأردن والسعودية ولبنان ومصر والكويت.
يبقى الإماراتيون منقسمين أيضًا بشأن عددٍ من القضايا المحلّيّة الأخرى. فعند السؤال حول إذا ما كانت حكومتهم تقوم بما يكفي لـ”مشاركة أعباء الضرائب والواجبات الأخرى بطريقة عادلة”، يقول نصفهم تقريبًا إن الحكومة تقوم بالكثير جدًا لمعالجة هذه المسألة. لكن ما يثير المزيد من القلق هو أنه عند السؤال حول “تخفيض مستوى الفساد في حياتنا الاقتصادية والسياسية”، يقول ثلث المستجوَبين أن حكومتهم لا تفعل سوى “القليل جدا”، “الكثير جدا”، “القدر المناسب” لتحقيق هذا الهدف.
أُجري هذا الاستطلاع في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2019 من قِبل شركة إقليمية رائدة في أبحاث الأسواق التجارية، واستُخدمت فيه المقابلات الشخصية والتقنيات النموذجية للاختيار الجغرافي العشوائي من أجل الحصول على عينة تمثيلية وطنية من ألف مواطن إماراتي. وسافر الكاتب الرئيسي شخصيًّا إلى المنطقة للتشاور مع مدراء المشروع، ولضمان السرّيّة التامّة وضوابط الجودة، في فترة العمل الميداني. ويبلغ هامش الخطأ الإحصائي لعيّنة من هذا النوع حوالي 3 في المئة. أما التفاصيل المنهجية الإضافية فمتاحة وجاهزة عند الطلب.
*معهد واشنطن