إيران مرشحة للتحول إلى كوبا جديدة في ظل التغيير الجيوستراتيجي الأميركي

واشنطن: إيلي يوسف*
انقضى الأسبوع الجاري من دون أن تنفذ وزارة الخزانة الأميركية تهديدها بفرض عقوبات على وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف. وفيما لم تصدر الوزارة أي تعليق أو بيان حول الموضوع، اعتبر البعض أن الأمر جاء نتيجة تدخلات أوروبية، إما لتأخيره أو حتى لإلغائه، لأن فرض العقوبات على رأس الدبلوماسية الإيرانية سيصعب من إمكانية التواصل والتفاوض الذي تطالب به الإدارة الأميركية.
وزارة الخزانة الأميركية
وأثار تهديد وزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات على ظريف أسئلة حول أسباب كشف اسمه. فمن المعروف أن الوزارة لا تعلن ولا تسمي مسبقا الجهة أو المؤسسة أو حتى الأشخاص الذين قد يتم فرض عقوبات عليهم، كي لا يعمدوا إلى تهريب أو نقل ممتلكاتهم وأصولهم المالية إلى أماكن آمنة. وهو ما أثار تكهنات عدة بأن إدارة الرئيس ترمب قررت إبقاء الباب مفتوحا على احتمال تجديد المفاوضات مع إيران، عن توافق مع حلفائها الأوروبيين حول هذا الموضوع.

ومنذ فترة شهرين تصف طهران موقفها خلال العام الأخير عقب انسحاب ترمب من الاتفاق النووي بـسياسة «الصبر الاستراتيجي»، فيما تصف واشنطن ما تمارسه من ضغوط بسياسة أقصى الضغوط على طهران. وأثبتت العقوبات الأميركية التي لم تشهدها إيران من قبل، على أنها أشد وطأة مما كانت تتوقع، ما أفقدها القدرة على مواصلة سياسة الصبر الاستراتيجي إياه. وعمدت سريعا إلى تنفيذ هجمات وأطلقت التهديدات من بينها تجاوز حد التخصيب ومستوياته.

وبحسب بيانات وتقارير رسمية وأخرى متخصصة، فقد تراجعت مبيعات النفط الخام، المحرك الرئيسي للاقتصاد الإيراني، إلى نحو 230 ألف برميل يوميا، من نحو 2.5 مليون برميل يوميا في مايو (أيار) 2018.

وراهنت إيران قبل خطة تصفير النفط على إمكانية مواصلة تصدير نحو 700 ألف برميل يوميا، وهو ما يمكنها من توفير مقومات الوقوف بوجه العقوبات، كما جرى خلال ذروة القيود التي فرضتها عقوبات الرئيس السابق باراك أوباما والاتحاد الأوروبي. وكشفت إحصاءات حديثة أن معظم صادرات النفط الإيراني اليوم تذهب إلى الصين، وحصتها لا تسد إلّا جزءا يسيرا من حاجات السوق الصينية البالغة 10 ملايين برميل يوميا.

ترافق ذلك مع تغيير في تقديرات طهران حول قدرة الأطراف الأوروبية المتبقية في الاتفاق النووي، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، على الوفاء بالتزاماتهم ومساعدتها على مواجهة العقوبات الأميركية، عبر آلية الدفع الخاصة «إينستكس». لكن النتيجة أدت إلى تشديد عزلتها الدولية بعدما انفض معظم الدول عن القيام بتبادلات جدية معها.

ولا يتوقع أن يشكل نظام الدفع الأوروبي الموعود مخرجا وحلا حقيقيا للاقتصاد الإيراني؛ خصوصاً أنه ليس مصمما لعمليات التبادل التجاري الضخمة، ولا تشمل توريد النفط الإيراني. ولم تنجح ضغوط طهران وتوتيرها للأجواء الأمنية في مضيق هرمز وحتى في إسقاط الطائرة الأميركية المسيرة، في إثارة مخاوف أوروبية جدية، رغم تحذيرات بعضهم وخصوصا من ألمانيا لإدارة ترمب من ردود الفعل الإيرانية على ضغوطاته.

على العكس من ذلك، فقد أدت تهديدات طهران وإعلاناتها الأخيرة عن زيادة تخصيب اليورانيوم والتخلي تدريجيا عن التزاماتها بالاتفاق النووي، إلى إرغام تلك الدول على فقدان صبرها، واحتمال اتجاهها إلى معاودة فرض عقوباتها الخاصة على إيران وحتى فرض عقوبات دولية عليها، ما يدفن نهائيا الاتفاق النووي معها.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن متخصص في الشأن الإيراني قوله: «إن الشيء الرئيسي الذي يجب على الناس إدراكه هو أن خرائط التصعيد الوحيدة التي تجري مناقشتها في إيران هي تلك التي تؤدي إلى المحادثات. إيران تريد أن تتجنب أن تصبح مثل كوبا، التي فرضت عليها عقوبات أبدية بعد التحولات الجيوستراتيجية التي أدت إلى إهمال الولايات المتحدة إحداث أي تغيير في استراتيجيتها تجاه الجزيرة المحاصرة».

*عن صحيفة “الشرق الأوسط”

Related Posts

LEAVE A COMMENT

Make sure you enter the(*) required information where indicated. HTML code is not allowed