عيارة واشنطن وشطارة طهران

جبار المشهداني

ربما يتفق السواد الأعظم من المهتمين بالشأن السياسي العراقي أن ما كشفته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية حول الإختراق الإيراني للمنظومة السياسية والأمنية في العراق لا يشكل أكثر من قمة جبل الجليد وان ماهو غاطس من المعلومات يمكن أن يشكل صدمة أو دهشة .
وفي مقابل ذلك قد يتسائل شخص ما اين المفاجأة في ما تم كشفه من معلومات؟.
المعارضة العراقية الإسلامية تحديدا احتضنتها طهران نهاية السبعينات وبداية الثمانينات فيما احتضنت لندن شخصيات وحركات ليبرالية ولم يكن هناك حضور للمعارضة العراقية في واشنطن سوى تنظيم د. احمد الجلبي( المؤتمر الوطني العراقي ) والذي كان هو الآخر يمتلك خطوطا خلفية تنسق مع طهران.


أمريكا التي اعترفت أنها احتلت العراق دون وجود خطط طويلة الأمد لمرحلة ما بعد الإحتلال دخلت في مواجهة مكشوفة مع طهران حول من يحقق المكتسبات على الأرض بعد احتلال العراق.
فريقان سياسيان عراقيان أحدهما يشعر بالامتنان لما قدمته واشنطن من عمل تاريخي بازاحة نظام صدام حسين والآخر يشعر بالولاء العقائدي للثورة الإسلامية في إيران ويعلن أنه جندي مطيع للولي الفقيه والفرق بين الفريقين كبير.
الفريق الأول الأمريكي يميل للتنظير ويحمل معه عقدة التفوق وتذكير الطرف الآخر أنه من كان سببا في وصوله للسلطة وبقي يعيش نشوة النصر لسنوات فيما شرع الفريق الثاني بالعمل على الأرض واختيار مقرات وعقد لقاءات جماهيرية وتأسيس تنظيمات محكمة إداريا واجتذاب شباب لتنظيماته.
أمريكا التي أرسلت ( بول بريمر ) طاووسا كحاكم مطلق الصلاحيات لبغداد فيما اختارت طهران الجنرال سليماني المعروف ببساطة تعامله التي سهلت (التفاهمات السياسية ) مع كل المتخوفين من التعامل المباشر مع طهران خاصة بعد أن فهم الطامحون من كل ( المكونات ) أن طريق الزعامة والمناصب هو عبر زيارة مباشرة إلى طهران وقد يسبقها تنسيق مع السيد كوثراني.
طبيعة الأداء بين طهران وواشنطن في العراق حسم الأمر لصالح طهران فيما اختارت واشنطن سياسة التجريب والمراقبة عن بعد والرهان الخاسر على أشخاص ادركو بغريزتهم السياسية أن طهران هي سيدة الحضور وهذا ما يفسر ( إصرار ) الكتلة السنية الفائزة في إنتخابات ٢٠١٨ والتي إدارتها طهران بمهارة على التحالف مع تحالف الفتح وترك التحالف الآخر الذي راهن على مرشح واشنطن (العبادي ) .
ويبقى ما أعلنته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية هو تحصيل حاصل لما بذلته طهران من شطارة وجهد جبار وعنيد ومثابر دون كلل أو ملل ونفس طويل جدا عرفت به السياسة الإيرانية عبر التاريخ فيما تكتفي واشنطن بمبدأ العيارة الذي قد يحقق لها فورة إعلامية لن تنجح في حماية سفارتها في بغداد من صواريخ( الكاتيوشا ) .

١٩ تشرين الثاني ٢٠١٩

Related Posts