الاتفاقية التجارية مع الصين.. ماذا ينتظر العراق؟

الباحثة شذى خليل*

يعيش العراق في وضعٍ اقتصاديٍ محرجٍ، بعد الخروج من حربه العنيفة ضد تنظيم داعش الإرهابي، وما خلفته تلك الحروب من تهجير وتدمير البنى التحتية حيث استنزفت القدرات المادية للبلاد، والتي تحتاج إلى إعادة إعمار شاملة، في ظل موازنة اتحادية تُعاني من العجز والديون المتراكمة بتريليونات الدنانير.
حيث اتخذت الحكومة العراقية خطوة نحو الإصلاح بتوقيعها اتفاقية تجارية شاملة مع الحكومة الصينية بتاريخ 23 ايلول 2019، في بكين، ممثلةً لمرحلة اقتصادية جديدة في إعمار البنى التحتية للعراق، ضمن برنامج يمكن تسميته النفط مقابل الإعمار، إذ يعد العراق أحد اهم مصادر تزويد النفط الخام إلى جمهورية الصين الشعبية، وبواقع تصدير بين 750 ألف برميل إلى مليون برميل يومياً، كما أن الميزان التجاري بين البلدين لا يقل عن 30 مليار دولار سنوياً بفضل زخم الاستيرادات السلعية من الصين.

هنا انقسمت آراء المراقبين حول هذه الاتفاقيات بين مؤيد ومنتقد، والتي تُعقد مع ثاني أكبر دولة اقتصادية في العالم، تمتلك التكنولوجيا المُتقدمِة، والشركات العملاقة، والتي من الممكن أن تُساهم في تنشيط الاقتصاد، وتحسين الخدمات في العراق، لكن هل العراق مؤهل لتلك العقود في الوقت الراهن، وهو يعاني من الفساد المالي والإداري والوضع الساسي غير المستقر، بالإضافة الى الازمات الداخلية من احتجاجات وما خلفته عملية قتل قائد الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني على الشارع، والتوتر الذي يعيشه “العراق” بسبب الصراع “الأميركي-الإيراني” وعلى الحكومة بين الموالين لإيران وبين رافضين لوجودها في العراق، وما قد يسببه من عقوبات مالية دولية من قبل البنك الفدرالي الأمريكي.. وذكرنا ذلك بمقال سابق… السؤال الذي يطرح في هذه الظرف.. هل أرض العراق خصبة لبدأ الاستثمارات؟
يرى بعض السياسيين المستقلين الذين أكدوا أن الاتفاقية ستلحق غبناً بالعراق وترهن نفطه لمدة خمسين عاماً، وقال السياسي المستقل ليث شبر “إن توقيع الاتفاقية من قبل حكومة مستقيلة وتنفيذها يعكس وجود شبهات فساد”.

ولنتعرف على بنود الاتفاقية بين العراق والصين:
1. الاتفــــاقية بدون شروط جزائيــــــــة وتندرج ضمن اتفاقيات الصداقة، وفي حال حصول خلاف يتم اللجوء الى هيئات التحكيم الدولية المعترف بها.
2. مدة الاتفاقية 20 سنة.
3. ينشأ الصندوق العراقي الصيني للإعمار، وتشرف عليه الحكومة العراقية وشركة استـــشارية ضامنة ويتم اختيارها من قبل البنك المركزي من بين افضل خمس شركات عالمية كبرى.
4. الطرف الصيني الضامن للاتفاقية هو مؤسسة التأمين الصينية (ساينو شور) وهي المنظمة حكومية عليا.
5. تحجز إيرادات 100 ألف برميل يومياً من النفط المباع للصين وبالتحديد لشركتي (زنهوا وسينوك) الصينية الوطنية، وتوضع ايرادات هذا النفط في الصندوق العراقي الصيني.
6. سقف ائتمان المصارف الصينية الى الصندوق العراقي الصيني هو 10 مليارات دولار، وبفوائد مدعومة من الحكومة الصينية.
7. إذا نجحت الحزمة الاولى من المشاريع، ورغب العراق بزيادة الاستثمارات، يتم رفع سقف مبيعات النفط العراقي الى 300 ألف برميل يومياً، وتقوم الصين بزيادة سقف الاقتراضات الى 30 مليار دولار.
8. يودع المبلغ بمصرف (ستك بنك)، ثم يقوم البنك بتحويل الحساب الى البنك الاحتياطي الفدرالي الامريكي في نيويورك والذي يشرف على مبيعات النفط العراقي الاجمالية، ويوجد فيه حســــاب العراق من المبيعات، بعدها يحول المبلغ الى حساب جديد يسمى حساب الاستثمار:investment account
9. يتم انشاء حساب باسم حســـــــاب خدمات الديـــــــون (repay account) ويخصص لدعم نسبة الفائدة، وتستقطع مبالغه من حساب الاستثمار.

10. يشمل الصندوق تغطية المشاريع التالية:
• المطارات
• بناء المدارس
• تعبيد الطرق الخارجية
• سكك
• معالجة تلوث دجلة والفرات وشط العرب
• بناء مجمعات سكنية
• مشاريع البنى التحتية
• مشاريع الطاقة والتحلية
• مشاريع اخرى حسب طلب الحكومة العراقية

فإذا كانت كلفة أحد المشاريع اعلاه مليار دولار، فإن المبلغ يؤخذ من الصندوق بواقع (850 مليون دولار من الصين و 150 مليون دولار من مبيعات النفط العراقية).
11. يختار مجلس الوزراء المشاريع أعلاه، ويوقع على العقد لمرة واحدة، مثال: يتم التوقيع لبناء ألفي مدرسة بعقد مفتوح يسمى open contract
12. تم البدء بإيداع أموال النفط العراقي بتاريخ 2019/10/1، وتراكم مبلغ قدره نصف مليار دولار لغاية الآن، مع جاهزية الصين لإيداع 10 مليارات دولار، وكان من المؤمل ان يتم اختيار اول المشاريع هذه الايام، لكن تحول الحكومة الى حكومة تصريف اعمال جردها من صلاحية التوقيع.
13. يحق للعراق اختيار شركات عالمية اوروبية وامريكية لتكون شريكة مع الصين، وحسب نوع المشروع.

بالنسبة الى الصين الاتفاقية:
الاتفاقية لا تخلوا من بعد سياسي، كون الصين تبحث عن حلفاء في المنطقة، اما البعد الاقتصادي فهو واضح، فالأموال الصينية تبحث عن استثماراتها، والتكنولوجيا تحتاج إلى سوق لتصريفها، والجانب العراقي، يبحث ايضاً عن حلفاء لديهم قدرة تكنولوجية عالية، وسيولة كبيرة، ودول لديها فرق في سعر الصرف أمام الدولار، يجعل قيمة العمل أكبر من القيمة الورقية للنقود المحلية.
لدى الصين جدية كبيرة في القيام باستثمارات داخل العراق، لسبب يختلف عن توجه الولايات المتحدة نحو العراق، حيث أن توجه الولايات المتحدة سياسي غرضه خلق حالة من التوازن في منطقة الشرق الأوسط، سواء سياسيا أو عسكريا، بعكس الصين التي لديها حلفاء تجاريين في المنطقة، نتيجة سياستها المرنة.
وتتحرك الصين بخطى مدروسة وثابته لتصبح الإمبراطورية الأكبر في العالم لتنافس الولايات المتحدة ببناء نظام عالمي جديد، وتعمل من خلال مبادرة اقتصادية ضخمة للغاية تسمى “الحزام والطريق” على التمدد الاقتصادي عالمياً.
حيث انفقت أكثر من ثلاثمئة مليار دولار على هذا المشروع، وتخطط الصين انفاق تريليونا إضافية خلال السنوات العشر المقبلة.
كثيرة هي الدول التي أبدت نظرة إيجابية تجاه الأموال الصينية، واعتقدت أنها قروضٌ شبه مجانية، لكن البعض ينظر بسلبية، حيث اعتبر تلك القروض مكلفة جدا اقتصاديا، وقد تعمل على تكبيل هذه الدول لارتباطها بالاقتصاد الصيني، وبالتالي ترهن مستقبلها للشركات الصينية.
فلو اخذنا مثالا على تلك الاستثمارات (السلبية) في سريلانكا، حيث موقعها الإستراتيجي على خط الملاحة الأكثر ازدحاما بين شرق آسيا والشرق الأوسط وأوروبا، جعلها مطمعا كبيرا للصين التي أغدقت على هذه الدولة الصغيرة بحوالي ثمانية مليارات دولار بفائدة قدرها ٦.٣%، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالبنك الدولي الذي تتراوح فوائده بين 0.25% و3%.
نتيجة لذلك حصلت الصين على ٨٥% من حصة مرفأ “هامبانتونتا” الإستراتيجي بعقد مدته ٩٩ سنة، بالإضافة لحوالي ١٥ ألف فدان قريبة من الميناء كمنطقة صناعية.
ميناء مومباسا في خطر:
كينيا هي الأخرى اضطرت لرهن أكبر وأهم مرفأ فيها “ميناء مومباسا” للحكومة الصينية، وذلك بسبب قروضها المتراكمة، حيث بلغ حجم الديون أكثر من 5.5 مليارات دولار، مما يضع كينيا ضمن الدول الأكثر عرضة لفقدان الأصول الإستراتيجية لصالح بكين.

وختاما… يبقى السؤال للمسولين العراقيين الذين وقعوا تلك الاتفاقيات، ماذا لو تعثر العراق في سداد ديون الصين، هل لديه خطط مدروسة وخطط بديلة لضمان سيادة استقلالية البلد اقتصاديا وسياسيا، ماذا سيفعل وهو يعاني منذ سنوات من فساد كبير، ويأتي في المرتبة الـ12 بين الدول الأكثر فساداً في العالم، وفقاً لأحدث تقرير لمنظمة الشفافية الدولية.
لذا وعلى الجميع، وخصوصا الجهات المعنية فرض الأمن والاستقرار السياسي والعمل على تحقيق السلم في الشارع العراقي، ضمانا للبدء بجد بتنفيذ المشاريع المتوقعة لينهض العراق من جديد، والا ستصبح مثل تلك العقود وبالاً على العراق، وتزيد من إغراقه بالديون والتبعية لدول أخرى.

*وحدة الدراسات الاقتصادية- مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية

 

Related Posts