من حق الشعب العراقي أن يرفض ويثور على ثنائية الهيمنة الأمريكية الإيرانية وآثارها

د. علي كنانة*

من باب تأمين الموقف، أقول لا ثقة بالسياسة الأمريكية ولا تعويل عليها ولا أمل في دعمها لعراق قوي ومستقر وحر ومستقل ومزدهر، فالولايات المتحدة هي التي غزت العراق بإدعاءات كاذبة ثُبِتَ زيفها وهي التي احتلته بصفقة تسهيل الغزو مع إيران وهي التي خرّبت كل شيء لتقيم بعد ذلك نظام محاصصة سياسية يستند إلى الطائفية والعرقية وألقت بالعراق في الجُب عندما سمحت لإيران بالهيمنة الكلية عليه. ثم تشاركت مع إيران في التأثير بالشأن العراقي، بينما تفرّغت السلطة العراقية الشكلية الحاكمة لسرقة ثروات البلد بصيغة التكالب على غنيمة. ولم تكن مصلحة العراق والعراقيين يوماً في حسابات واضعي السياسات الأمريكان.
وكان من تداعيات الاتفاق النوري أن أُطلِقت يد إيران في العراق، حتى جاءت إدارة ترامب لتنقضَّ على الإتفاق ونتائجه وتداعياته.
ولأسباب يطول شرحها، اختارت كل من إيران والولايات المتحدة أن يكون العراق ميداناً لصراعهما ومعركتهما، إذ اعتادت إيران أن تخوض معاركها خارج أراضيها (لبنان، سوريا، اليمن، العراق) بينما اختارت الولايات المتحدة الخيار نفسه لإدراكها إن العراق بات الرئة التي تتنفس منها إيران اقتصادياً في مواجهة الحصار وإن الإضرار بها يبدأ من هنا.
وطوال ست عشرة سنة تلاشت السيادة العراقية حرفياً باحتلال أمريكي أعقبه تأثير أمريكي قوي وهيمنة إيرانية كليّة.


ولنتخذ من الأحداث الأخيرة مثالاً، هل ثمّة سيادة عراقية بينما تعيث الأحزاب والمليشيات المسلحة الموالية لإيران فساداً بالدولة وقتلاً بالمتظاهرين دون رادع؟ هل ثمّة سيادة مع زيارات كبار المسؤولين الأمريكان لقواعدهم في العراق دون اكتراث بالحكومة؟ هل ثمّة سيادة عندما تسمّي إيران رئيس الوزراء العراقي؟ هل ثمة سيادة عندما تستهدف مليشيا موالية لإيران قاعدة أمريكية؟ وهل ثمة سيادة عندما تستهدف إسرائيل والولايات المتحدة خصومهما في الأراضي العراقية؟
منذ عام 2003 حتى الآن لا سيادة للعراق. فلماذا تتصاعد نبرة الخطاب في الأيام الأخيرة في الحديث عن السيادة؟ أليس من أول شروط السيادة أن يتحرَر العراق من القوى الدولية والإقليمية المهيمنة عليه بصيغة احتلال ومن ثم يضع ركائز سيادته ويدافع عنها؟
ومن الغرائب أن يجري تجاهل أن الولايات المتحدة هي من أوصلَ إلى سدّة الحكم هذه الأحزاب والمليشيات (التي سُميّت مؤخراً “المقاومة” دون أن نعرف مقاومة مَن).
وبالتداعي المنطقي، فإن من حق الشعب العراقي أن يرفض ويثور على ثنائية الهيمنة الأمريكية الإيرانية وآثارها.
وإذا كانت الولايات المتحدة هي مَن منحَ لإيران صك الهيمنة على العراق، عليها هي أن تخرجها منه وتخرج معها.
ولكننا نؤمن بأن العراق الجديد المنتظر من رحم ثورة تشرين هو من يفعل ذلك. وإذا كانت لهما معركة لتُخاض فليخوضاها خارج الأراضي العراقية. وإذا كانت المليشيات الموالية لإيران مصرّة على تحويل العراق إلى جبهة حرب متقدمة دفاعاً عن إيران فإنها تتحمل مسؤولية تخليها عن الولاء للعراق.
والأهم من كل ذلك، أن على ثوار تشرين أن يواصلوا ثورتهم بالشعارات نفسها ويحصّنوها من تداعيات هذه الأحداث التي ربما كان من أهدافها إفشال الثورة.

كاتب وأكاديمي عراقي

Related Posts